IMLebanon

كلام عن مستقبل النظام: لا حكومة ولا انتخابات قبل التسوية

 

 

منذ أن بدأ التحول الفرنسي نحو وجوب إجراء الانتخابات النيابية في لبنان، طُرحت بين الدوائر الفرنسية وأوساط لبنانية اقتراحات تتعلق بالمخرج الذي يمكن التعويل معه بجدية لتجاوز الأزمة، بعد تعثّر قيام «حكومة مهمّة» بناءً على مبادرة الرئيس إيمانويل ماكرون. طُرحت فكرة حكومة الانتخابات النيابية، أسوة بحكومة الرئيس نجيب ميقاتي عام 2005 المؤلفة من غير مرشحين للانتخابات. لاقت الفكرة صدى غربياً، وبوشر العمل منذ طرحها لتحويلها فكرة قابلة للتطبيق، وتدحرجت الفكرة ككرة الثلج. لكن بحسب ما تقول أوساط سياسية على بينة من مفاوضات جرت أخيراً بين عواصم معنية، أن هناك جواً عاماً لا يمكن القفز فوقه في الكلام عن حكومة انتخابات وإمكان تشكيلها.

 

أولاً، إن لبنان ليس حالة معزولة عما يجري من غزة إلى العراق وسوريا وطهران ونتائج مفاوضات فيينا. وإذا كان انتظار الاستحقاقات الإقليمية بدأت تتضح معالمه، حتى بالنسبة إلى هوية الرئاسة الإيرانية الجديدة، فإن مسار الحكومة في لبنان يظهر أنه تفصيل من تفاصيل انعكاس الترتيبات الخارجية عليه. هناك ملامح لها صلة بموقع حزب الله في الإفادة من الوقت الضائع والسجالات الحادّة بين المستقبل ورئيس الجمهورية والتيار الوطني الحر، لإرخاء جو فراغ على كل المستويات. وتبعاً لذلك لا يمكن تجاهل ما يكمن وراء عدم ضغط حزب الله على حليفه التيار الوطني الحر لتخفيف شروطه الحكومية. ففي الواجهة أن التيار هو المعطّل للحكومة رغم تضرر صورة العهد من هذا الانهيار، وأن الحزب لا يزال مصراً على حكومة برئاسة الرئيس سعد الحريري، لكن ما يصل من أجواء غربية يرتبط بإمكان استفادة الحزب والعهد على السواء من ارتفاع حدة الانقسام الذي بات ترميمه صعباً، للوصول إلى المأزق الذي لا يمكن معه الكلام إلا عن تسوية كبرى تتعلق بالنظام. وكل ما جرى في الأيام الأخيرة من رسائل العهد والتيار حول صلاحيات رئيس الحكومة في تأليف الحكومة، بين طاولة حوار وتهديد بسحب التكليف ورسالة رئيس الجمهورية إلى المجلس النيابي، يصبّ في تأكيد عدم اعتراف التيار المزمن بالطائف. والمسار الذي تسلكه القوتان الحليفتان، يأخذ منحىً تصاعدياً قد لا يقف عند حدّ، إلا عند وضع الطائف على المشرحة الإقليمية والدولية مجدداً. وهذا يترك الباب مفتوحاً أمام بقاء الوضع الراهن معلقاً بين لا حكومة مهمة ولا حكومة انتخابات ولا انتخابات نيابية، كي تكون ذروة الانفجار سياسية تتقاطع مع شكل النظام الذي يرتسم في الأفق، ما يُنتج سلّة حلول متكاملة.

ثانياً، إن حكومة برئاسة الرئيس سعد الحريري لم تعد قيد البحث عند أي طرف خارجي. لكن تكليف الحريري هو الذي لا يزال قائماً، في انتظار ثبوت اقتناع خارجي بين أصحاب القرار، بأن الانتخابات النيابية ستحصل حتماً. فلا اعتذار عن التكليف إلا متى نضجت فكرة الانتخابات وثبت إجراؤها، وتالياً لا حكومة انتخابات إلا وفق تسوية خارجية وداخلية، تضمن حكماً إجراءها، على غرار ما أفتى به الأميركيون عام 2005، مع تعديل ما يجب تعديله من قانون الانتخاب، من دون المسّ بالشكل العام للقانون ومندرجاته الأساسية. لأن المخاطرة بتشكيل حكومة انتخابات، وتكليف شخصية من غير المرشحين، لا يمكن السير بها، إذا ما لم تضمنها تسوية كبرى تحتّم إجراء الانتخابات. وإلا فإن رئيس حكومة الانتخابات، من دون انتخابات، سيحوله رئيس حكومة الفراغ الرئاسي المحتمل، وهنا تصبح القضية أكثر تعقيداً، لأن الأمر سيتعلق حينها بنوعية وهوية الشخصية التي تُكلف قيادة الفراغ، على غرار ما جرى مع الرئيس تمام سلام.

ثالثاً، مع استنزاف طرفَي المشكلة الحكومية وقت التشكيل الحكومي، طارت فكرة الانتخابات النيابية المبكرة وأصبحت اليوم بلا طائل. علماً أن التهويل المتبادل بين القوات اللبنانية والتيار الوطني و«المستقبل» حول الاستقالة من المجلس النيابي، لم يعد مدرجاً على جدول أعمال أي منهم، ولا سيما أن حزب الله كان وراء تراجع التيار عن البحث في استقالة نوابه، كما أن تلويح الرئيس نبيه بري بعدم وجود ما يُلزم بحلّ المجلس، احتُسب بدقة في مراجعة التيار لمواقفه التهويلية. أما الانتخابات النيابية، فإنها تستفيد من زخم التصعيد الكلامي بين أطراف الكباش الحالي، حتى يحين موعد اعتذار الحريري، في حال رسا الخيار الخارجي على إجرائها. والحريري والتيار الوطني يستثمران بحدّة في موسم انتخابي ناشط، من دون الالتفات ولو قليلاً إلى حجم الانهيار الشامل الذي بات يشمل كل القطاعات الحيوية. وكلاهما يريد من خلال شدّ العصب الشعبي تقديم أوراق اعتماد خارجية، لتأكيد موقعه في المعادلة الداخلية حتى لا تمرّ التسوية فوقهما.