هل كان أمين عام «حزب الله» السيد حسن نصرالله مضطراً لأن يقول «بحسب معطياتي، هناك غباشة، فلا شيء سيظهر، لا في القريب ولا في البعيد بشأن تشكيل الحكومة»؟ ولماذا لم يكتف بالموقف الكلاسيكي الداعي إلى تسريع التأليف لأنّ البلاد لم تعد تحتمل الفراغ؟ وما الأسباب التي دفعته إلى نعي التأليف؟
السيّد نصرالله ليس محللاً سياسياً ليخرج على اللبنانيين ناعياً تأليف الحكومة بتأكيده أن «لا حكومة في الأفق»، إنما هو في موقع المسؤولية حيث تُحسب عليه كل كلمة يقولها، وموقف من هذا النوع يمكن إدراجه في خانة إمّا مصارحة اللبنانيين بواقع الحال، وإمّا إيصال رسالة إلى من يعنيهم الأمر، وتحديداً فريق رئيس الجمهورية، بأنّ «حزب الله» تأقلم مع الفراغ ويقف على الحياد في أزمة التأليف.
ويقتضي التذكير انها المرة الأولى منذ توقيع وثيقة ٦ شباط بين «حزب الله» و»التيار الوطني الحر» التي يقف فيها الحزب في موقع المتفرِّج لا المتدخِّل لمصلحة التيار، فإبّان تشكيل الحكومات كان يرفع شعار التوافق مع التيار كمدخل للتأليف وإلّا لا حكومة، وفي الانتخابات الرئاسية رفع شعار لا رئيس للجمهورية إلّا العماد ميشال عون او استمرار الفراغ إلى ما شاء الله، فيما تحييد نفسه هذه المرة يضع الفريق الرئاسي في موقع صعب لجهة قتاله وحيداً ومن دون أي حليف، وهذا شكل من أشكال الضغوط السياسية التي يمكن إدراجها ضمن ثلاثة مستويات:
المستوى الأول، إرتكز العهد على 6 قوى أساسية منها من ساهم بإيصاله ومنها من مَهّد وتساهل، وبالتالي ليس تفصيلاً أن يبقى «التيار الوطني الحر» وحيداً في معركته الحكومية.
المستوى الثاني، عدم التفهّم السياسي لمعركته انسحب على عدم تفهُّم شعبي، فهو يخوض مواجهته من دون حاضنة وطنية ولا سياسية ولا شعبية.
المستوى الثالث، عدم التفهُّم السياسي والشعبي مردّه إلى وجود قناعة مفادها انّ المواجهة التي يخوضها حساباتها فئوية لا سياسية، وانّ أحداً في غير وارد دعمه ومؤازرته.
ولا شك انّ نصرالله قد وصل إلى هذا الاستنتاج بأن «لا حكومة في الأفق» نتيجة إصرار فريق رئيس الجمهورية على رباعية يستحيل تأليف حكومة في حال لم يُعِد هذا الفريق النظر بموقفها من كل واحدة منها، ولا يبدو حتى اللحظة أنه في هذا الوارد:
أولاً، تمسّكه بتوزير النائب طلال ارسلان لا يمكن تمريره اشتراكياً، ومن الواضح انّ رئيس «الإشتراكي» وليد جنبلاط على استعداد للبحث في حلول وسطية، ولكن هذا البحث اصطدم بإصرار ارسلان على التوزير وتمسّك الوزير جبران باسيل بتوزيره، إلّا انّ السؤال الذي يطرح نفسه: هل التنسيق الميداني المشترك الذي انطلق بين الجانبين يشكل بداية انعطافة من قبل باسيل بحجّة التوتر على الأرض غير الموجود أساساً والذهاب إلى حلول تُبعد ارسلان عن الوزارة كهدف أول لجنبلاط يخرج منه منتصراً، أم انّ هدف باسيل التنازل في مكان من أجل محاصرة «القوات اللبنانية» وتصوير العقدة معها بأنها الوحيدة بغية دفعها إلى مزيد من التنازلات؟
وما تقتضي الإشارة إليه انّ جنبلاط لن يتراجع عن هدفه.
ثانياً، إصرار باسيل على وضع «القوات» بين سندان الخروج من الحكومة ومطرقة المشاركة بشروطه بغية الظهور أمام الرأي العام بأنه نجح في كسرها، لأنّ مشكلته الأساسية تكمن مع «القوات» ووزنها التمثيلي الكبير والآخذ بالتوسّع التدريجي، ولا يوجد ما يبرّر او يفسِّر رفضه التصوّر لتمثيلها المقدّم في الصيغة المقترحة من قبل الرئيس المكلف إلّا انه يريد استبعادها عن حكومة قد تحكم البلاد طويلاً، وذلك في ظل اعتباره انّ المشاركة في الحكومة في مرحلة طويلة ومفتوحة تمنح «القوات» مساحة من التأثير والمشاركة في القرار السياسي.
ولكن أمام هدف الوزير باسيل عقبات جدية تبدأ من الرفض القاطع للرئيس المكلف تغطية توجّه من هذا النوع لا يمكن تبريره في ظل ما أفرزته الانتخابات من نتائج، ولا تنتهي بعدم وجود أي فريق بوارد تغطية هذا التوجّه الإقصائي، فيما الرأي العام برمّته لا يحمِّل «القوات» مسؤولية تأخير التأليف، بل باسيل الذي يسعى إلى تحجيمها، خصوصاً انّ الرأي العام على بَيّنة من التسهيلات التي قدمتها. وما يجدر تسجيله انّ الرئيس المكلف لن يطوِّر الصيغة التي قدمها على حساب «القوات» ولا «الإشتراكي».
ثالثاً، إصرار باسيل على انتزاع حقيبة الأشغال من تيار «المردة»، وهذا الإصرار يندرج أيضاً في الإطار نفسه، ويتراوح بين تسجيل النقاط على «المردة»، وبين افتعال عقدة تؤخّر التأليف، لأنه لا يحق موضوعياً للطرف الذي يتمسّك بالخارجية والطاقة ان يطلب من غيره التخلي عن الأشغال.
رابعاً، تمسّك باسيل بالثلث المعطّل والذي لا يمكن ولوجه سوى بحالتين: إخراج «القوات» من الحكومة او تقليص تمثيلها إلى 3 وزراء، والمعادلة الخماسية التي وضعها رئيس الجمهورية في حديثه إلى صحيفة «الجمهورية» تدخل في هذا الإطار، إن لجهة تخصيص وزير لكل 5 نواب بدلاً من 4، وهي معادلة جديدة بالمناسبة، أو لناحية تحديد حصة رئيس الجمهورية بـ5 وزراء يضاف إليها حصة «لبنان القوي» 6 وزراء، فتكون الحصيلة 11 وزيراً.
وحيال رباعية الأسباب المُشار إليها أعلاه وصل الجميع إلى خلاصة ان «لا حكومة في الأفق»، وهذا بالذات ما رغب نصرالله في إعلانه بعيداً عن الكلام المنمّق والمكرر والخَشبي إلى حد ما، ولكن السؤال الأساس في كل هذا المشهد: من يقصد نصرالله برسالته وعلى ماذا يحتوي مضمونها؟
المقصود بالرسالة وبشكل لا يقبل الجدل فريق رئيس الجمهورية بهدف تحميله أمام الرأي العام عبء الفراغ الحكومي، لأنّ وضع الناس في صورة وعود مستمرة بإمكانية التشكيل شيء، ووضعها في صورة ان لا حكومة وعليها التكيّف مع الفراغ شيء آخر مختلف تماماً.
هذا في الشكل، أمّا في المضمون فرسالة السيّد نصرالله حملت رسالة إلى الفريق نفسه بأنّ «حزب الله» لن يقلب الطاولة لتحقيق أهدافه ولن يساعده على هذا المستوى، وانّ قلب الطاولة باللجوء إلى الشارع او التوتير الطائفي والمذهبي من الخطوط الحمر التي لن يتهاون فيها الحزب، ومن هنا تشديده على الحوار وجَو التهدئة وقوله «مهما شرّقوا أو غرّبوا، فجميع الأفرقاء سيشكّلون حكومة سوياً، ولا أحد قادر على إلغاء الآخر فلماذا تضييع الوقت وتوتير الأجواء»؟
وعليه، هل يبدِّل أفق نيويورك في أفق الحكومة بعدما أصبح هذا الفريق أمام خيار أوحد: إمّا التراجع او تنظيم الفراغ؟