هذه الإجابة الواضحة التي سمعناها بالأمس من الرئيس سعد الحريري «لم أعقد المؤتمر الصحافي لأقول لكم الحلّ ولو هناك حلّ لزرت رئيس الجمهورية»، هكذا وبوضوح، وجه الرئيس سعد الحريري شديد التجهّم بالأمس يسّر عمق الأزمة التي بلغه الجميع، أمين عام حزب الله حسن نصر الله أقفل كلّ الأبواب في وجه لبنان، فهو يتصرّف على طريقة «لا بيرحم ولا بيخلي رحمة الله تنزل»!
لاءات كثيرة تسدّ الطريق على أيّ حلّ في موضوع التشكيل، حسن نصر الله قرّر قطع الطريق على أي حلّ وحلحلة، يشبه وضع تشكيل الحكومة اليوم تفاجىء باص سار مئات الكيلومترات على طريق سريع ووصل إلى نقطة تفرمل فيما سيره عندما اكتشف الجميع أنّه عند نقطة معينة الطريق غير مكتمل، وصل إلى نقطة تفضي إلى هاوية فقط، أساساً منذ السبت الماضي احتاط نصر الله معلناً رفضه اتهام حزب الله بالتعطيل، وذهب في المواجهة إلى حدّ إعلانه أن لا حكومة ولو اقتضى الأمر الانتظار سنة واثنتين وألفاً وإلى قيام السّاعة، ما لم يمتثل الرئيس المكلّف لأوامره، وفي مواجهة هذا التعنّت لا يبدو الموقف الصارم الذي خرج به الرئيس الحريري كافياً بالأمس في مواجهة موقف حسن نصر الله!
واللاءات التي تظهّرت بالأمس مخيفة، لا حكومة، لا حلّ، لا سيدر، لا إصلاح، لا كهرباء، لا موازنة، لا اقتصاد، وهكذا، كلّ ما يرتبط بلبنان وشعبه ووضعه الاقتصادي والمالي يوشك على الانهيار، خزينة الدولة فارغة، ولا اعتذار عن التكليف، أساساً ينقسم الرأي في موضوع الإعتذار بأغلبيّة سياسيّة تتمسّك بالرئيس المكلّف، إذ لا بديل عنه في هذه المرحلة الحسّاسة من تاريخ لبنان فهو يحوز على ثقة دوليّة، لذا يذهبون إلى ضرورة ولزوميّة عدم اعتذاره عن تكليفه تشكيل الحكومة، ولكن من دون أن تملك هذه الغالبيّة حلّاً للمأزق الذي حشر حزب الله الجميع فيه!
رأينا نحن، في هذه الأزمة الخطيرة، التي تطيح بالدّستور اللبناني، واتفاق الطائف، وكلّ التقاليد والأعراف السياسية التي قام عليها لبنان منذ نهاية الحرب الأهليّة، بالأمس تمنيّنا لو أعلن الرئيس الحريري رغبته في الاعتذار وتوجّه بعد مؤتمره الصحافي إلى قصر بعبدا واضعاً هذا الاعتذار بين يديْ رئيس الجمهوريّة، هذه الأزمة المفتعلة تعني قصر بعبدا ورئيس الجمهوريّة أولاً وآخر، وكرة النّار يجب أن تُرمى بين يديْ صاحب العهد.
نحن أمام معضلة، ما الحلّ في مواجهة أمر لا حلّ له، نحن أمام حزب اعتاد أن يُعطّل الحياة السياسيّة في لبنان وأن يشلّ الدولة ومؤسساتها كلّما أراد فرض رأيه بالقوّة على لبنان، وهو لا يكترث لوضع اللبنانيين، بل هم آخر همه، أمين عام حزب الله حسن نصر الله أعلن مراراً أنّ طعامهم وشرابهم ومأكلهم وملبسهم ومعاشاتهم وصواريخهم من إيران، هكذا بمنتهى الوضوح أفهم اللبنانيين جميعاً أنّ «من يأكل من خبز الوليّ يضرب بسيفه»، وعبر حزبه أصبحت إيران شريكة في حكم لبنان، وقادرة على إيقاف الزمن فيه وتجميد الحياة ورهن مصير لبنان بأجمعه بملفّاتها ومصالحها!
للأمانة طُرح علينا السؤال، لماذا نظنّ أنّ اعتذار الرئيس سعد الحريري بات ضرورة شديدة في هذه المرحلة؟ فكان جوابنا كالتالي، اعتذار الرئيس الحريري عن تشكيل الحكومة ضروري لأننا نعرف يقيناً أنّه حتى لو أزيحت كلّ العقد من طريق التشكيل، فإنّ فريق حزب الله في الحكومة ومعه الوزير جبران باسيل وفريق التيار الوطني الحرّ لن يتركوه يعمل، وأنّ هذه الحكومة ستكون عاجزة عن الإنتاج وسيف الثلث العوني المعطّل سيظل مصلتاً على عنق الحكومة ورئيسها، وأنّنا نعرف يقيناً أنّ ما فُعِلَ بالرئيس الحريري على باب البيت الأبيض في العام 2010 سيُفْعل به مجدّداً، متى ما شعر هؤلاء أن الحاجة إلى سعد الحريري ووزنه الدوليّ انتفت!