IMLebanon

لا حكومة على قاعدة «لقد أُكلت يوم أُكل الثور الأبيض»

 

أيام قليلة تفصلنا عن إنطلاق مرحلة العدّ العكسي التي أعلنها رئيس الجمهورية لأخذ المبادرة في معالجة التعثّر في تشكيل الحكومة.لم يحرّك الإعلان الرئاسي المياه السياسية الراكدة، كما أنّ الفذلكات التي أوردها وزير العدل في حكومة تصريف الأعمال سليم جريصاتي لتسويق المسعى الرئاسي لم تلقَ بدورها أي صدى إيجابي لدى أيّ من المكوّنات السياسية الأساسية في لبنان. لقد عبّرالصمت حيال مبادرة الرئيس عن تجاهل وتشكيك بدستوريتها، يضافان الى البرودة التي تقابل بها الكتل النيابية كافة، حتى تلك الحليفة له مسألة التشكيل. محاولة الرئيس التموّضع في وسط مهمة تشكيل الحكومة، ورفع الشروط المسبقة لقبول التشكيل وتوقيع المرسوم يكرّس حق النقض لرئيس الجمهورية بما يتقدّم على دور المجلس النيابي مجتمعاً والذي تعود له مهمة تحديد رئيس الحكومة المكلّف ومهمة منح الحكومة الثقة أوحجبها.

لقد فات فريق رئيس الجمهورية أنّ المرحلة التي تلت ملء الشغور الرئاسي مروراً بقانون الإنتخابات وطريقة التعامل مع نتائجها،وصولاً الى أزمة تأليف الحكومة، شكّلت فترة إختبار لآدائه ولذهنيّة الحكم لديه وإنّ الإنطباع العام عن هذه المرحلة غير مطمئن، وقد أثبت ميلاً فاضحاً للتفردّ والتنكر للتعهدات والإلتزامات التي سبقت التسوية الرئاسية ومحاولةواضحة لتقييد حركة الإعتراض السياسي وسعياً لإختراق المكوّنات السياسية، بل لتشكيل مكوّنات سياسية وهمية لا تتصل بالواقع، وعزماًدؤوباً لتأسيس جزر عونيّة داخل سائر المكوّنات الأخرى. هذا بالإضافة الى خطاب طائفي عالي الوتيرة تجلّى في أكثر من مناسبة.

على المستوى الدستوري، سجّلت فترة الإختبار إختراقات متعدّدة للدستور لا سيما بما يتعلّق بصلاحيات رئيس الحكومة، وعدم توقيع القرارات التي يتّخذها مجلس الوزراء، يُذكر منها على سبيل المثال لا الحصر قرارا تعيين المراقبين الجويين ومأموري الأحراج بحجة عدم تطبيق قاعدة 6 و 6 مكرر، علماً إنّ هذه القاعدة لا تطبّق إلا على موظفي الفئة الأولى وفقاً للمادة 95 من الدستور. هذا بالإضافة الى حجب عدد من المشاريع في وزارة الطاقة عن دائرة المناقصات بحجة أنها من صلاحيات الوزير، وإلى جملة من التعيينات في وزارات الفريق الرئاسي عكست إستئثاراً سياسياً من لون واحد.

في السياسة الخارجية، مثّل وزير الخارجية جبران باسيل خروجاًفاضحاً على السياسة العامة للحكومة لا سيما في ما يتعلّق بمسألة اللاجئين السوريين. حمل الوزير الملف الى واشنطن على هامش مؤتمر تعزيز الحرية الدينية كما الى موسكو بمعزل عن أي تفويض حكومي. عبّر مستوى اللقاء الذي تسنّى للوزير عقده في واشنطن ومضمون البيان الذي صدر بعد إجتماعه بوزير الخارجية الروسي لافروف في موسكو وقبلهما الإشتباك مع المفوضيّة العليا للاجئين، عن عدم أهلية في استيعاب الأهداف الكبرى لكلّ من روسيا والولايات المتّحدة والإتّحاد الأوروبي والنظام السوري. لم يرقَ لتفكير وزير الخارجية أنّ ما ترومه موسكو ومن خلفها دمشق من طرح مبادرتها، هو تحويل سوريا من همّ روسي الى قضية إنسانية دوليّة، تسبغ عليها مصداقية تحتاجها بعد تدخّلها العسكري لدعم نظام لا يتمتع بالثقة الدولية والعربية،قبل حاجتها للأموال العربية والأوروبية. وما ترمي إليه الولايات المتّحدة ومن خلفها الإتّحاد الأوروبي هو ربط مسألة العودة بالعملية السياسية وبخارطة النفوذ في سوريا وفي المنطقة. الولايات المتّحدة وروسيا لا تبحثان عن «لبناني مقدام» قلَّ نظيره في المنطقة ليتأبط موضوع اللاجئين، بل عن توزيع لملف النفوذ يشكّل موضوع اللاجئين إحدى أوراق الضغط فيه. وبهذا فإنّ إثارة الموضوع لبنانياً من منطلق العبء على الإقتصاد أو الخلل الديموغرافي لا تعدو كونها خطوة في التوقيت الخطأوالمكان الخطأ، وانحداراً بالنقاش حوله من المستوى الوطني الى مستوى فريق سياسي يشكّك بشكل دائم بنوايا شركائه في الوطن.

مرحلة الإختبار المنصرمة التي لم يسعَ رئيس الجمهورية الى تقييد الممارسات الشاذة التي حفلت بها، لم تُثر المخاوف لدى الفريق المعارض للرئيس فقط، بل أثارت مخاوف حلفائه أيضاً. لا يستعجل حلفاء رئيس الجمهورية تشكيل حكومة قد تقيّد حركتهم في مرحلة إقليمية ضبابية ومفتوحة على كافة الإحتمالات. يعتبر حلفاء الرئيس أنّ عدم التضييق عليهم ليس مردّه الإعتراف بدورهم وبشراكتهم، بل الى سياسة الإضعاف التدريجي للمكوّنات السياسية كافة، وأنّ دورها في حال تشكيل الحكومة وفقاً لمعايير الرئيس آتٍ لا محال على قاعدة «لقد أُكلتُ يوم أُكِل الثور الأبيض».

* مدير المنتدى الإقليمي للدراسات والإستشارات