Site icon IMLebanon

لا حكومة بدون تنازلات…!

 

«خلّصوا الحكومة حتى يبدأ السياح الخليجيون بالقدوم إلى لبنان»، بهذه الكلمات الديبلوماسية التي تدل على حنكة صاحبها، اختصر الموفد السعودي نزار العلولا موقف بلاده الحريص على الاستقرار في لبنان من خلال العمل الطبيعي والفاعل لمؤسساته الدستورية، لا سيما الحكومة العتيدة التي ستنبثق عن المجلس النيابي الجديد، إلى جانب التشجيع السعودي المستمر لكل الأطراف السياسية بمراعاة متطلبات الأمن والاستقرار في بلد الأرز.

الموقف السعودي الإيجابي والداعم دائماً للبنان ليس جديداً، بل يأتي في سياق المواقف التاريخية المعروفة للمملكة في الوقوف إلى جانب الشقيق الصغير في العثرات والملمات، والذي ما زال اتفاق الطائف يعتبر من أهم تجلياته الوطنية والعربية، لأنه أنهى سنوات الحرب المقيتة، وأرسى أسس السلم الأهلي بين اللبنانيين، وأعاد لبنان إلى الخريطة العربية والدولية، فضلاً عن الدور الكبير الذي اضطلعت به السعودية في مرحلة إعادة الإعمار.

ولكن لا يبدو أن التجاوب اللبناني المطلوب مع مواقف الشقيقة الكبرى متاح هذه الأيام، لأسباب عدة، منها داخلي، مثل الصراعات المحتدمة بين ديوك الكتل السياسية على الوزارات السيادية والحقائب الخدماتية الوازنة، ومنها الإقليمي، على إيقاع التوترات المتصاعدة على خط المواجهات الدامية بين الفلسطينيين وجنود الاحتلال في أطراف غزة، من جهة، وتصاعد التحديات المتبادلة بين إيران وكل من الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل بعد انسحاب الأولى من الاتفاق النووي، من جهة ثانية.

وإذا أضفنا العقوبات الأميركية والخليجية الأخيرة على حزب الله، والتصنيف الذي اعتبر الحزب بجناحيه السياسي والعسكري إرهابياً، لأدركنا حجم الصعوبات التي تعترض تشكيل الحكومة العتيدة، لا سيما بعد إعلان الحزب عزمه على دخول الوزارة الجديدة بوزراء حزبيين، وليس بأصدقاء مقرّبين من الحزب، كما حصل في أول حكومة شارك فيها حزب الله بعد انتخابات عام ٢٠٠٥.

فهل يلجأ الرئيس المكلّف، ومعه العهد طبعاً، إلى خيار «حكومة تكنوقراط»، تقفز فوق العراقيل والصعوبات التقليدية، وتلبي الحاجة الاقتصادية الملحة لوجود وزارة كاملة الصلاحيات تستثمر ما يحظى به البلد من دعم دولي، وتساعد على تسريع خطوات تنفيذ مقررات مؤتمر «سيدر1»؟

أم نحن أمام مشهد مكرر في تطويل أمد ولادة الحكومة الجديدة، على غرار ما كان حصل بالنسبة لحكومة الرئيس سعد الحريري الأولى، وحكومة الرئيس نجيب ميقاتي الثانية، وحكومة الرئيس تمام سلام الأخيرة التي أبصرت النور بعد مرور أحد عشر شهراً على التكليف؟

لا أحد يجهل مخاطر الاحتمال الثاني المدمرة على البلد، ولكن ليس في الأفق ما يشير إلى أن الأطراف الحزبية والقوى السياسية، على استعداد للتضحية بحساباتها الفئوية، وتقديم التضحيات، أو بالأحرى التنازلات المطلوبة، والالتقاء في منتصف الطريق، إذا كان ثمة وعي جدي من الجميع، بمخاطر المرحلة الراهنة، وما يتهدّد البلد من أزمات واهتزازات، ليس من السهل تجاوزها بسلام، في ظل فراغ حكومي، وشلل لاحق في مجلس النواب، الأمر الذي من شأنه أن يعيد الوضع إلى ما كان عليه من عجز وفوضى إبان الشغور الرئاسي، الذي امتد على مدى ثلاثين شهراً، أعادت البلد عشرات السنوات إلى الوراء.

الأطراف السياسية الأكثر ربحية في الانتخابات الأخيرة، مطالبة أكثر من غيرها، بتقدير دقة الظروف الراهنة وتعقيداتها الداخلية والإقليمية، لتكون أكثر استعداداً على تقديم مقاربات عملية وجدية، ولو اقتضت بعض التنازلات الموجعة، حتى يتسنى للبلد تجاوز الآتي من الأيام بأقل قدر من الخسائر الممكنة!