لا يترك الرئيس الاميركي باراك اوباما مناسبة يتناول فيها الوضع في المنطقة ومواجهة الولايات المتحدة تنظيم داعش في كل من العراق وسوريا الا ويطلق موقفا يقول فيه ان الوضع في سوريا هو اكثر تعقيدا مما هو عليه في العراق وانها “مسألة اشد صعوبة وبعيدة المدى”، الأمر الذي يعد كافيا بالنسبة الى مصادر سياسية وديبلوماسية على حد سواء من اجل الجزم بأن ستاتيكو الحرب القائمة في سوريا مستمرة من دون أفق. ومن ثم ان هذا الستاتيكو الذي يشكل بقاء بشار الاسد في الحكم جزءا منه ليس معرضا للتغيير في المدى المنظور، حتى لو صح ما قيل عن درس الادارة الاميركية اعادة النظر في تعاطيها مع الازمة السورية وفق ما تردد اخيرا. اذ ان ما يعلنه الرئيس الاميركي يرسم سقفا للازمة السورية بحيث تتراجع أي أوهام أو آمال في ما يتعلق بالقدرة على ايجاد حل لهذه الازمة خصوصا انه يربطها بالصراع الشيعي السني في المنطقة وانخراط افرقاء كثر فيها. وهذا يعني ان ما يطرح من اقتراحات حلول لا يكتسب اي جدية واقعية، بما في ذلك اقتراح الموفد الدولي ستيفان دو ميستورا حول تجميد الحرب في حلب والذي تقول المصادر انها لم تسجل اي ترحيب بهذا الاقتراح من اي دولة من الدول المعنية في مقابل تحفظات كثيرة تطاول بعض المضمون كما بعض النتائج المحتملة، مما لا يجعل النجاح احد الاحتمالات المطروحة، اقله في المدى المنظور وفق ما تقول هذه المصادر. والموقف الذي اعلنه اوباما في هذا الاطار تزامن مع مؤتمر اول عقده الائتلاف الدولي لمحاربة تنظيم داعش في مقر حلف شمال الاطلسي في بروكسيل بحثت فيه سبل تفعيل الحرب على التنظيم المتطرف كما تزامن معه ايضا كشف وزارة الدفاع الاميركية عن غارات جوية شنتها ايران على مواقع للتنظيم في العراق وتركت التباسا في مواقف المسؤولين الاميركيين بين ما اعتبره وزير الخارجية جون كيري موقفاً ايجابياً من طهران وما اعاد تأكيده البيت الابيض من سياسة يعتمدها والرافضة للتعاون مع ايران في مواجهة داعش.
ومن اللافت، بالنسبة الى المصادر المعنية، عدم قدرة الادارة الاميركية على اقناع حلفائها بالتفريق بين الوضعين في العراق وسوريا واصرارها على الحسم في العراق من دون سوريا على رغم ان الخلافات ظاهرة في غالب الاحيان على غرار ما ظهر في المواقف التركية في خلال الاشهر الماضية ومواقف الدول الخليجية وحتى الاوروبية من هذا الموضوع. الأمر الذي يضطر الرئيس الاميركي الى إعادة التذكير بأولوياته غير المنسجمة مع أولويات دول المنطقة.
وتقول هذه المصادر انه، وعلى رغم ما يتردد عن نجاح في وضع حد لتمدد داعش في العراق وملامح احتواء الوضع نسبيا هناك، فان انقاذ الوضع لم ينجح بعد وهو شديد التعقيد ولا يسمح بالانتقال الى المرحلة التالية في حال كانت سوريا على الحال الراهنة. وفيما ظهر اوباما من خلال موقفه ساعيا الى الالتفاف على التباين في داخل المؤتمر حول موقف الائتلاف من الوضع في سوريا بتكرار تأكيده ان الوضع في سوريا معقد تجنبا لتوجيه ضربات عسكرية ضد النظام السوري قد تساهم في تعقيد مفاوضاته مع ايران حول ملفها النووي وفي تعقيد حملته ضد داعش في العراق، فان تولي ايران قصف مواقع لداعش في العراق قد يساهم في تعقيد مهمة الائتلاف اكثر وربما يهدد استمراريته في ظل الصراع الشيعي السني الذي تحدث عنه اوباما اكثر من مرة. لكن ما يجري في العراق وعلى رغم ما يتردد عن نجاح الضربات العسكرية التي ادت الى استرجاع مدن وقرى كان يسيطر عليها التنظيم الارهابي، فان هناك مشكلة حقيقية لا يمكن تجاهلها في العراق: اولا بناء على تولي الميليشيات الشيعية التابعة أو الموالية لايران بالتعاون مع ما تبقى من الجيش العراقي والمعروفة تحت اسم قوات الحشد الشعبي مهمة الهجوم على المدن والقرى من اجل تحريرها، كما يقال، من داعش في الوقت الذي يقوم هؤلاء بتعديات مذهبية خطيرة تحبط جهود الحكومة سياسيا في لملمة الوضع المذهبي في العراق. وثانيا بناء على سعي العشائر السنية في العراق لدى واشنطن من اجل تسليحها مباشرة من اجل مساعدة هذه العشائر والمجموعات على التصدي لداعش في ظل اعتراض من حكومة حيدر العبادي ومسؤولين شيعة لتسليح العشائر السنية تحت طائل تصاعد الحرب المذهبية في العراق وفشل مهمة دحر داعش أو القضاء عليه. وذلك علما ان المصادر المعنية تقول بإن الضغوط التي تمارسها واشنطن على الحكومة العراقية قد لا تكون كافية في ظل سيطرة ايران كليا على مفاصل الوضع العراقي سياسيا وفي ظل ضغوط خليجية وعربية من ضمن الائتلاف الدولي ومن خارجه. وتقول هذه المصادر ان واشنطن قد لا تملك سوى مساعدة العشائر السنية وتسليحها كما فعلت مع الاكراد والبشمركة الذين وصلتهم اسلحة من مصادر عدة للوقوف في وجه داعش ومنع تقدمه في الوقت الذي لا تبدو الحكومة العراقية قادرة أو راغبة في لجم اعتداءات الميليشيات الشيعية. وهذه الخيارات الصعبة قد تؤدي في نهاية الأمر الى الدفع في اتجاه اقاليم عراقية منفصلة ومتكاملة في الوقت نفسه كما هي الحال مع اقليم كردستان.