لا تنكر “المحاور” السياسية – الطائفية المذهبية اللبنانية ارتباطها “العضوي” بالمحورين العربيين – الإقليميين المتصارعين منذ عقود اللذين صارا الآن “متحاربين” في غير دولة عربية. هذا الارتباط آذى أعصاب اللبنانيين جراء “الكرّ” و”الفرّ” الذي هو سمة الصراع فالحرب المذكورين. إذ صارت “مرتخية” مثل “الروسور” من الشدّ والضبّ. فتارة يشعر الموالون لسوريا الأسد – وإيران باقتراب النصر بسبب تطور سياسي أو عسكري إقليمي ودولي. لكن شعور الإحباط والقلق سرعان ما يصيبهم عندما يرون تطوّراً سياسياً أو عسكرياً اقليمياً في مصلحة أعدائهم. والأمر نفسه يحصل مع المعادين لسوريا المذكورة. طبعاً لا تقتصر التطورات المسبِّبة لهذه المشاعر على ما يجري في سوريا، إذ تتسبب به ايضاً الأوضاع في العراق المفتوحة دائماً على الحرب، والأوضاع في اليمن بعد نجاح الحوثيين الزيديين والرئيس السابق علي صالح في السيطرة على البلاد عقب تحرك شعبي واسع، ثم بعد مبادرة المملكة العربية السعودية وغالبية شقيقاتها العربيات إلى شنّ الحرب عليهم قبل نحو سبعة أشهر لإعادة “السلطة الشرعية”، وللقضاء على خطر إيران الذي صار على حدودها بواسطة “القضية” الحوثية.
طبعاً لن نخوض هنا في موضوعي سوريا والعراق على أهميتهما لأن معظم تطوراتهما صارت معروفة. لكن من الضروري الخوض في موضوع اليمن والانطلاق منه لاستشراف التطوّرات المرتقبة لبنانياً.
بداية يؤكد إسلاميون لبنانيون يتابعون عن كثب اليمن أن إيران لن تربح المعركة هناك بل السعودية، وطلائع ذلك ظهرت في جنوبه وفي استمرار تقدم “تحالفها العربي” وحلفائها اليمنيين على الأرض وإن ببطء. أما أسباب التأكيد فأبرزها أن غالبية اليمنيّين غير زيدية، وأن في الجنوب حراكاً للانفصال عن الشمال بسبب تسلُّط صالح على شعبه، وأن في اليمن “قاعدة” معادية لإيران كما للسعودية، وأن القبائل اليمنية كانت دائماً مع الأخيرة لأسباب عدّة لا ضرورة للخوض فيها. وهي تحاول الآن استعادتها بعدما كانت أوكلت صالح أمرها فقمعها ووظَّفها لخدمة مصالحه. ومن الأسباب البارزة أيضاً دخول “التجمّع اليمني للإصلاح” (اخوان مسلمون) الحرب إلى جانب السعودية بعد تلقّيه منها المساعدات التي يحتاج إليها من مال وسلاح، وبعد بدء نوع من التقارب بين الفريقين في أعقاب تولّي الملك سلمان بن عبد العزيز السلطة. والإشارات على ذلك كثيرة، لكنها غير معلنة لاتفاقهما معاً على التعاون “من تحت الطاولة” كما يقال لأسباب كثيرة.
ومن الأسباب البارزة ثالثاً محاولة الاماميين الزيديين المقيمين في السعودية منذ1962 إقناع الزعيم الحوثي المتمرّد بالعودة إلى “اعتداله” السابق الذي قضت عليه سنتا اقامة له في السودان ثم8 سنوات إقامة في إيران (1994 – 2002).
طبعاً يعرف هؤلاء الإسلاميون أن النصر يحتاج إلى وقت، وأنه لا يعني السيطرة الأمنية التامّة التي تمنع التفجير والتفخيخ.
هل تأكيد هؤلاء في محله؟
هناك ميل عند جهات عربية وإقليمية ودولية إلى اعتباره كذلك، لكنها تشير أيضاً الى أمرين يلعبان دوراً في تطور أوضاع اليمن هذه الأيام. الأول، قرار إيران عدم التورّط مباشرة بالحرب البرّية وغير البرية بسبب الصعوبات الكثيرة. والثاني، عدم ممانعة إيران في تقدّم سعودي يسهل حواراً ما مع السعودية في وقت ما حول قضاياهما الخلافية الكثيرة. لكن العامل الثاني هذا قد يصبح لاغياً أو مؤجلاً بعد التردّي الكبير بين طهران والرياض بسبب اليمن، ولاحقاً بسبب “كارثة الحج” قبل أسابيع التي أودت بحياة مئات من الإيرانيين، والحملة الشديدة التي بدأتها طهران من أجل تحميل آل سعود مسؤولية الكارثة وتالياً ارغامها على قبول مشاركة جهات إسلامية غيرها في “خدمة الحرميْن الشريفيْن”.
ماذا يعني ذلك لبنانياً؟
يعني استمرار الفراغ الرئاسي لأن الدولتين هما الناخب الوحيد لرئيس لبنان. ويعني توسع “الشلل” والتفكّك في الدولة والمؤسسات. ويعزِّز هذا الجواب عدم تجاوب الرئيس الأميركي ووزير خارجيته مع طلب اللقاء بهما الذي قدّمه الرئيس تمام سلام في نيويورك أخيراً، ويعزز تشاؤم الأخير واقتناعه بأن لبنان سائر في طريق انحدارية قاسية، وبأن لا مظلة دولية له. ويحمِّل ذلك اللبنانيين مسؤولية أن يكونوا هم المظلة. لكن تاريخهم لا يشجّع على توقّع ذلك.