ضجيج الحرب يطغى على لغة السلام في المنطقة، وتحليلات الحرب وسيناريوهاتها تتراوح بين ما هو مبني على التمني، وما هو قائم على التحريض! والخطاب الأخير للأمين العام ل حزب الله السيد حسن نصرالله جاء متماشياً مع هذا الواقع الملتهب، ومَن حضر السوق باع واشترى. وتعدّدت الرؤى قبل هذا الخطاب وبعده، الى درجة ان البعض توقّع صيفاً حاراً في لبنان والمنطقة هذا الفصل. غير أن قراءة معمّقة وموضوعية في مسار الأحداث، ترجّح احتمال عدم وقوع هذه الحرب لا هذا الصيف ولا في الفصول الباقية والى إشعار آخر، لأسباب عديدة وجوهرية منها…
أولاً، ترفع اسرائيل عقيرتها بالحرب دائماً بدافعين: الايحاء للعالم بأنها مجتمع وديع محاط بغابة من الذئاب، بقصد ابتزاز المساعدات والحمايات. والدافع الثاني شنّ حرب نفسية على المحيط العربي لإبقائه متوتراً وقلقاً، وهذا يحدث حتى عندما لا تكون لديها النية لشنّ الحرب. وثانياً، تغيّرت استراتيجية الحرب منذ قيام اسرائيل والى اليوم بفعل ظهور عناصر جديدة في التوازنات. وكانت اسرائيل تعتمد أسلوب الحرب الخاطفة على أرض الغير وتنتهي بنصر حاسم، وكان آخرها حرب العام ١٩٦٧. وبعدها تغيّر الأمر على صعيد الحرب النظامية عام ١٩٧٣، وعلى صعيد الحرب مع منظمات المقاومة المسلحة.
واليوم تعتمد سياسة الردع نظامياً مع نقل حرب الإرهاب الى أرض العدو لتدميره من الداخل بقواه الذاتية!…
ثالثاً، قرار الحرب الإقليمية ليس قراراً اسرائيلياً صرفاً لا ضد لبنان ولا ضد ايران أو ضد اية دولة أخرى، إنه أولاً قرار أميركي. وفي عهد الرئيس ترامب لا تزال الأمور ضبابية في هذا الشأن. والاستراتيجية الأميركية المتبعة منذ عقود هي تدمير مصادر القوة في العالمين العربي والإسلامي، تباعاً، عسكرياً وسياسياً واجتماعياً واقتصادياً، بقصد تفتيت دوله وتقسيمها والسيطرة على مقدراتها، وإلحاقها بركب اتباع الأمبراطورية العظمى! ورابعاً، شن حرب على لبنان بسبب المنطقة النفطية المتنازع عليها، يضرّ باسرائيل أكثر مما ينفعها لأن النيران ستطال مناطق نفطها وغيرها ولن تقتصر على المنطقة المتنازع عليها…
خامساً، كانت سوريا في عهد الرئيس حافظ الأسد تتجنّب ما أمكن الحرب المباشرة مع اسرائيل حفاظاً على ما تحقق من استقرار ونمو في الداخل السوري، واليوم سوريا مدمرة ما عدا جيشها وترسانتها الصاروخية، ولم يعد لديها ما تخاف عليه. وأية حرب جديدة لن تقتصر على لبنان وستكون متعددة الأطراف. وسادساً وأخيراً، رزقت اسرائيل بقيادات عالمية وإقليمية تتبع سياسات بلهاء، وتطوّعت لخوض الحروب بالنيابة عن اسرائيل ضد أعدائها. وظهر هذا الأمر جلياً في التصريحات، والمواقف والقرارات التي يتخذها الرئيس ترامب، ومنها ارسال دفعات من العسكر الاميركي الى سوريا والعراق تباعا. وترامب يمون على بعض حلفائه من العرب للسير في هذا المخطط…
ولماذا تصاب اسرائيل بعارض من الجنون وتخوض الحرب بنفسها ما دام يوجد من يتطوّع للحرب بالنيابة عنها؟!.