لم يحرّك اعتداء النائب نقولا فتوش على موظفة في وزارة العدل المجتمع المدني للتضامن مع المعتدى عليها وحسب. على هامش الحدث، تحرّكت المياه السياسية الراكدة في قضاء زحلة. فالمنطقة التي عجزت التوترات المحيطة بحدودها عن إيقاظها، تمكن فتوش من تعكير صفائها بـ»لكمة» واحدة! والحادثة التي كانت من المفترض أن تثير نقمة اجتماعية على النائب «المُعنِّف للنساء»، قادتها قوى 14 آذار الى دهاليزها السياسية بعيداً عن القضية الحقيقية. هكذا، لم تعد المسألة الرئيسية احترام المرأة بل باتت تتعلق بنفوذ نقيب المحامين و»استقلالية» المحامي و»لاشرعية» الكسارات والتمديد و»حميمية» الوزير ميشال فرعون وغيرها من العناوين البراقة التي تولّى حزب الكتائب نشرها.
ورغم إظهار هذه القوى نفسها بصورة المنتصر «للحق»، كان النصر الفعلي حليف النائب الزحلاوي لثلاثة أسباب: أولاً استطاع فتوش استمالة جزء من الرأي العام لمصلحته، بعد أن تمكن من تحويل المعركة ــ بمساعدة خصومه ــ من حقوقية الى سياسية ساذجة. ثانياً، ردّ صاع «فضيحته» صاعين عبر كشفه توكيل زوجة وزير السياحة ميشال فرعون له برفع دعوى زنا ضد زوجها.
وثالثاً، تشير المصادر المتابعة للقضية الى أن مساعي محاسبته وشطبه عن الجدول العام «ستبوء بالفشل بسبب قلة مشروعيتها فضلاً عن وقوف المحامين الكاثوليكيين الى جانبه والحديث عن تسوية قريبة».
في الأيام القليلة الماضية، وجد الرأي العام الزحلاوي في فضيحة «فتوش ــ الموظفة ــ الكتائب ــ فرعون» مادة دسمة يختم فيها العطلة الأسبوعية الأخيرة من فصل الصيف على ضفاف نهر البردوني. فالجمهور المتعطش الى حراك سياسي مهما كان نوعه، وجد في الحادثة ما يؤجّج حزبيته مجدداً ويعيد تظهير الاصطفاف السياسي العمودي بين مدافع عن فتوش من قوى 8 آذار ومسعّر للحملة عليه من قوى 14 آذار، فيما لم يتمكن المجلس الأعلى للروم الكاثوليك الذي يرأسه البطريرك غريغوريوس الثالث لحام من حسم المشكلة بوقوفه الى جانب نائب المنطقة ــ على غرار دفاعه عن «كسارات الطائفة» سابقاً ــ، لكون الوزير فرعون كاثوليكياً أيضاً ويصدف أن يكون انتخب حديثاً كنائب لرئيس مجلس الطائفة.
تحول الحادث من قضية حقوقية إلى معركة سياسية ساذجة
وباستثناء الفضائح التي تفرض نفسها حدثاً على القضاء، لا حراك سياسياً فعلياً في زحلة سوى عبر اللقاءات السياسية الدورية التي يعقدها رئيس أساقفة الفرزل وزحلة والبقاع للروم الملكيين الكاثوليك المطران عصام درويش (كل أسبوعين) مع مختلف الأحزاب. أما الحراك الزحلاوي الثاني، فقوامه الخطف والفدية وقطع الطرقات، وينشط فيه نواب حزب القوات اللبنانية ببراعة بعد توقف اجتماعات كتلة «زحلة بالقلب» منذ أكثر من ثلاثة أشهر. وآخر النشاطات في هذا السياق، إقفال القواتيين للطرقات الرئيسية المؤدية الى زحلة بالسواتر الترابية بقيادة رجل الأعمال إبراهيم الصقر احتجاجاً على اختطاف تاجر قواتي من بلدة تربل يدعى توفيق وهبة قبل تركه مقابل فدية! لكن انتفاضة القوات ما لبثت أن انقلبت عليها؛ إذ ما كاد الزحلاويون يستعيدون أنفاسهم بعد فتح أهالي العسكريين المخطوفين الطرقات، حتى أعاد القواتيون إغلاقها! وزاد من الطين بلة عدم قيام الصقر بسحب السواتر الترابية بشكل كامل، الأمر الذي تسبّب بحادثيّ سير مروّعين. حدث ولا حرج «عن الشتائم من فجّ وغميق لحزب القوات» ، يقول أحد المسؤولين الكتائبيين في المنطقة.
أمس، عادت زحلة الى ما قبل لكم فتوش للموظفة في قصر العدل، وبدا سؤال سكان القضاء عن الحادثة مستغرباً بعض الشيء. مجدداً، زحلة غافية رغم قلقها الدفين من مخيمات النازحين في سهولها والاشتباكات على تخومها.
لا حركة سياسية تذكر ولا نواب ينشطون في بلداتهم، أما المفارقة هنا فتكمن في أن الحراك الوحيد اليوم تقوم به لجنة المرأة في أبرشية زحلة المارونية التي ترأسها نيفين الهاشم. أخيراً أضاءت اللجنة مبنى المطرانية باللون الزهري من أجل مكافحة سرطان الثدي. قد لا يبدو المشهد وردياً في عيون النائب نقولا فتوش!