في الحوار المتبادل بين الرئيس نبيه بري والدكتور سمير جعجع عبر مواقع التواصل الالكتروني، قال جعجع لبري بعد ترشيحه العماد ميشال عون إن الكرة هي في ملعب “حزب الله” الذي عليه تأمين النصاب. فردَّ بري: “هل تريد من الحزب أن يضع مسدساً أو يوجّه صاروخاً الى رؤوس سعد الحريري ووليد جنبلاط ونبيه بري ليتوجهوا الى البرلمان بالقوة وينتخبوا من اخترته؟”.
الواقع أن لا حاجة الى “حزب الله” لكي يستخدم المسدس والصاروخ ليتم انتخاب رئيس للجمهورية، إنما الحاجة هي الى استخدام الدستور فقط وتطبيق النظام الديموقراطي باجراء هذا الانتخاب وهو ما كان يحصل في الماضي حتى في زمن الحرب عندما انتخب الياس سركيس رئيساً للجمهورية تحت القصف المدفعي على فيلا منصور التي كانت المقر الموقت لمجلس النواب. واليوم لا قصف ولا حرب يحولان دون ذلك سوى القصف السياسي المتبادل.
لقد دعت ورقة “إعلان النيات” التي استمع اليها العماد عون وهو يتلوها الدكتور جعجع عليه وعلى من حضروا مؤتمره الصحافي الى “الالتزام بوثيقة الوفاق الوطني التي أقرت في الطائف، واحترام أحكام الدستور من دون انتقائية وبعيداً من الاعتبارات السياسية والتفسيرات الخاطئة”. وقد التقت هذه الدعوة مع ما دعا اليه رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميل بقوله في مؤتمره الصحافي: “إن الامتحان في 8 شباط حيث ستعقد جلسة انتخاب رئيس للجمهورية، فأقل الأمور أن ننزل إلى المجلس في 8 شباط تطبيقاً لأحكام الدستور”. وعاد “تيار المستقبل” ودعا الى ذلك في آخر بيان صدر عنه. فما دامت غالبية القيادات والأحزاب التقت في الدعوة الى احترام الدستور دونما حاجة الى مسدسات وصواريخ “حزب الله” لإرغام النواب على حضور جلسة انتخاب الرئيس، فلماذا لا يحضر كل النواب الجلسة لتنتخب الأكثرية النيابية المطلوبة أياً من المرشحين المعلنين وغير المعلنين؟ فإذا لم يفعل ذلك عون ونواب “حزب الله” ونواب فرنجيه فإنهم يكونون قد تنكّروا لورقة “إعلان النيات” وخالفوا أحكام الدستور. أما إذا كان لأحزاب تفسير آخر وإن خاطئاً للدستور فإن على عون وجعجع والجميل وسائر رؤساء الأحزاب حسم الخلاف حول حق النائب في حضور جلسة الانتخاب أو التغيّب عنها حتى من دون عذر شرعي كي لا يظل لبنان معرّضاً لخطر الشغور الرئاسي عند كل استحقاق. واذا كانت أحزاب في قوى 8 آذار استخدمت سلاح التعطيل فإن قوى أخرى، سواء كانت 14 آذار أو غيرها، قد تعمد هي أيضاً في ظرف من الظروف الى استخدام هذا السلاح لمنع انتخاب رئيس للجمهورية إذا كان غير مقبول منها.
لذلك فالمطلوب منذ الآن ومن كل القادة، ولا سيما منهم المسيحيون والموارنة تحديداً، عدم إبقاء الخلاف على الآلية التي حددها الدستور لانتخاب الرئيس لا معلّقة ولا مطلّقة لئلا يصبح مصير لبنان أيضاً لا معلّقاً ولا مطلقاً، وتظل مشكلة اكتمال النصاب لجلسة انتخاب الرئيس في حاجة الى مسدسات وصواريخ أي حزب مسلح، أو الى 7 أيار جديد لا خروج من تداعياته إلا بمؤتمر شبيه بمؤتمر الدوحة يفرض على لبنان رئيساً للجمهورية وحكومة وحدة وطنية تعتمد المحاصصة في توزيع المقاعد والحقائب، وقانون انتخاب يعود بلبنان الى “سنة الستين” ولا يتقدم به نحو الحداثة ومجاراة التطور انصافاً لكل مكوّن من مكوناته.
لقد بات مطلوباً ليس الاتفاق على انتخاب رئيس للجمهورية فقط إنما الاتفاق على احترام احكام الدستور، حتى اذا لم يحصل اتفاق على مرشح للرئاسة كان اتفاق على التزام احكامه واحترامها، وهو ما دعت اليه ورقة “إعلان النيات” بين “القوات اللبنانية” و”التيار الوطني الحر”، وإلا كان مصيرها كمصير “ورقة التفاهم” بين “حزب الله” و”التيار الوطني الحر”، لا بل كمصير اتفاق الدوحة الذي كان “الحزب” ومعه “التيار” أول المخالفين له، أو كمصير “إعلان بعبدا” الذي على رغم الموافقة عليه بالاجماع كان “حزب الله” أو المخالفين ودعا الى “نقعه وشرب مائه”… فما الذي يمنع أن يكون مصير كل التفاهمات والأوراق كمصيــر كل الأوراق والاتفاقات السابقة عندما تكون “نية الجمل شيء ونية الجمّال شيء آخر”، أو لا تكون النيات سيئة ولا شيء حسن فيها. وما نفع أن يؤيّد الرئيس الحريري ترشيح فرنجيه ويؤيّد جعجع ترشيح عون ولا يحضران مع نوابهما جلسة الانتخاب لأنه مطلوب مسخ الديموقراطية بجعل التعيين بالانتخاب والفوز بنسبة 99,99 في المئة.
الواقع أن لبنان هو بلد العجائب والغرائب الذي تتحوّل فيه الديموقراطية “مديوكراطية”…