الرئيس الأميركي باراك أوباما حذّر من ازدياد تورُّط روسيا عسكرياً في الحرب الأهلية – المذهبية الدائرة في سوريا منذ حوالى خمس سنوات. وأعرب مسؤولون في إدارته عن قلقهم من ذلك وتساءلوا عن الأهداف التي يسعى رئيسها بوتين إلى تحقيقها بواسطتها. وخلق ذلك جواً من الخوف في واشنطن والعواصم المعنية بالحرب السورية وفي مقدمها أنقرة والرياض والقاهرة، وخصوصاً بعدما صار الازدياد في التورُّط المادة الأبرز في وسائل الإعلام الأميركية.
هل ردود الفعل الأميركية المذكورة أعلاه في محلها؟
كان لا بد للحصول على جوابٍ شافٍ عن هذا السؤال من التواصل مع المتابع الأميركي الجدّي و”العتيق” للأوضاع في الشرق الأوسط ولسياسات بلاده حيالها ولدور روسيا فيه، سواء يوم كانت شيوعية أو بعدما انتقلت إلى الديموقراطية الشكلية والاقتصاد الحرّ – الموجَّه مع محافظتها على دور الأجهزة الأمنية والاستخبارية في العمل السياسي الداخلي.
كانت نتيجة التواصل “إيميلا” وافق فيه بداية على ما تضمّنه “الموقف” أكثر من مرة أخيراً عن عدم قيام أميركا بمساعدة إيران في العراق على النحو الذي كانت تأمل فيه، أي توفير التغطية العسكرية الجوية للميليشيات الحليفة لها كما للجيش الخاضع لتوجيهاتها لاستعادة الأنبار والموصل من “داعش”، ولإعادة “شعبها” السنّي إلى “بيت طاعة” الحكومة المركزية التي يسيطر عليها الشيعة ومن خلالهم إيران. لكنه أكَّد أن “تأييد أوباما وإدارته لرئيس الحكومة حيدر العبادي مستمر، وخصوصاً بعدما أظهر استقلالية واضحة ورغبة في الإنتاج باتخاذه قرارات إصلاحية جريئة مست أنصار إيران من كبار السياسيين العراقيين وصغارهم، وهدفت إلى الحدّ من الفساد معتمدة على التظاهرات الشعبية ضدّه وعلى دعم المرجعية الدينية في النجف الممثلة بآية الله السيد علي السيستاني”. وفي هذا المجال أشار المتابع “العتيق” نفسه الى أن أميركا بموقفها توجِّه لإيران رسالة تدعوها فيها إلى التوقُّف عن دفع الأمور في العراق في الاتجاه الخطأ، والكفّ عن الممارسات التي تهدِّد أو بدأت تهدِّد وحدته واستقراره الهشّ وتعزِّز “الاحتقان” السنّي للمتطرفين أياً كانت تسميتهم، وأمل في أن يقول الإيرانيون للأميركيين ما هي استراتيجيتهم في المنطقة والسياسة التنفيذية لها. ثم أعرب عن اعتقاده أن الولي الفقيه آية الله علي خامنئي قد يكون واقعاً بين المتشدِّدين والإصلاحيين وأمل، بوصفه صاحب القرار النهائي والوحيد في الجمهورية الإسلامية، في أن يقف الى جانب الإصلاحيين. واذا لم يفعل ذلك فإن بلاده والعالم يكونا قد “ظمطا” باتفاق نووي، وخسرا فرصة اتفاق أو تفاهم على تسويات في الشرق الأوسط الملتهب. ومن شأن ذلك إبقاء “النزف” الإيراني مستمراً.
ماذا قال المتابع الأميركي “العتيق” نفسه عن روسيا وخطواتها العسكرية الأخيرة في سوريا؟
قال إن “هذه الخطوات لا تقلقه خلافاً لكثيرين في واشنطن. وبرَّر قلق أوباما بخشيته من أن تصبح موضوعاً أساسياً في حملة الانتخابات الرئاسية. ولهذا السبب أعرب عنه علانية ورسمياً. وهدفه منه كان دعوة نظيره بوتين إلى عدم الذهاب أبعد من ذلك. أما لماذا أقدم الأخير على خطواته العسكرية في سوريا، فلسببين في رأيه. الأول ضرورة محافظته على آخر موطئ قدم لروسيا في المنطقة بعد خسارتها “المواطئ” الأخرى عقب انهيار الاتحاد السوفياتي. والثاني إرادة بوتين أن يكون لاعباً في أي حل يُناقش أو سيُناقش لأزمة سوريا، ولن يكون كذلك إلا بدعم الأسد ونظامه. ولا يرى المتابع نفسه الوجود العسكري الروسي في طرطوس أو في قاعدة أخرى قريبة منها تهديداً. ذلك أن بوتين يعرف جيداً أن روسيا ليست تهديداً جدّياً في البحر المتوسط لأن المرفأ الوحيد “لها” فيه يمكن منع الوصول إليه من المنفذيْن الوحيديْن له وهما الدردنيل والبوسفور التركيين ومضيق جبل طارق. ويعرف أيضاً أن وجوده البحري في المتوسط لا يستطيع أن يواجه بفاعلية الوجود الأميركي المماثل كما وجود بحرية “حلف شمال الأطلسي”. فضلاً عن أن بوتين لم ينسَ ما حصل لبلاده في أفغانستان وما حصل ويحصل لأميركا فيها، كما ما حصل لها في العراق. ولا يعتقد أحد أنه يريد ذلك. ولهذا السبب فالمرجَّح أن يكون هدفه هو الدعم الديبلوماسي والدعم بالأسلحة”. لكن ما يلفت إليه المتابع نفسه “هو أن بوتين خسر بدعمه الأسد منذ سنوات وبمضاعفة هذا الدعم له أخيراً، السنَّة في العالم العربي والإسلامي، وهم الغالبية وكذلك دوله. ومن شأن ذلك تهديد أمن بلاده واستقرارها جرّاء وجود 21 إلى 23 مليون مواطن روسي مسلم”.