IMLebanon

لا داعي للكتابة بعد تحية داعش من الضاحية وعرسال

لا داعي بعد رسائل داعش، من عرسال الى برج البراجنة، من متابعة الأوضاع السياسية في لبنان والكتابة فيها وعنها بغرض تعميق الفهم للواقع اللبناني الداخلي وما يحيط به من أهوال وأهوال، لأنّ لبنان بات واضح المصير وهو عودة الطائفية  الانكفائية الى مركز القرار داخل الطوائف اللبنانية. ويبدو ذلك واضحاً من طبيعة التمثيل السياسي للطوائف في لبنان، إذ يتقدم الجاهل والمتعصّب على العقلاني اللبناني لدى جميع الطوائف. وبذلك تكون مرحلة تكوين مواطنية لبنانية قد ذهبت مرّةً أخرى وأُخرى وأُخرى أدراج الرياح.

لا داعي الى تسمية قيادي بعينه، أو حزب أو تيار أو جماعة، لأنهم جميعاً دخلوا بشكل أو بآخر في لعبة التشاطر التي تحتكم الى الاستثناءات على حساب القواعد الصحيحة. فقد اجتهد الجميع في المواقف والتحالفات والرهانات الى حدّ الضياع تقريباً، أو الجنون، إذ أنّهم جميعاً يتحدّثون دون أن يدركوا أننا جميعاً نعرف أنّهم يعملون عكس ما يقولون، ونعرف أيضاً وايضاً أنّهم يصدّقون ما يقولون ويريدون منّا أن نصدّق ما يقولون لأنهم الأدرى والأعلم بمصلحة الطائفة العليا، وهي نحر الأفراد النيّرين لأنّهم يفسدون الاستكانة للطائفة. فالطوائف في لبنان أشبه بمحاكم تفتيش القرون الوسطى في أوروبا، حين تمّ نحر المبدعين والعلماء والمفكرين والادباء والشعراء.

لا داعي الى استدعاء حوار من هنا أو حوار من هناك، أو حتى قراءة هذه الصحيفة أو تلك، أو مشاهدة هذه القناة أو غيرها، أو متابعة معظم المقالات. إذ أصبح الذين يحترمون عقول قرّائهم لا يتجاوزون أصابع اليد الواحدة. فلا أحد يخاطب أحداً أو لا أحد يحاور أحداً. وكلّ الأسئلة التي تطرح تتضمن في داخلها الإجابة عليها، وإذا أجبت عكس ذلك تعتبر قد رسبت في الامتحان، مما يغضب أمراء السخافة في البرامج السياسية التلفزيونية لأنهم وافقوا على دعوتك على الهواء الملوّث على أساس أن توافق على أجوبتهم التي قدّموها كسؤال.. وعلم السؤال يقول أنّ كلّ سؤال يتضمن إجابة هو ليس سؤال، وشرط السؤال الصحيح هو البحث عن الإجابة في القادم من الأيام.

لا داعي للاتصال بأيّ من الأسماء الكثيرة من وكلاء المشهد العام، من رؤساء ووزراء ونواب ومستشارين وأمنيين وإداريين وإعلاميين وقادة أحزاب وورثة أحزاب صغار وكبار. لا داعي إزعاجهم بأيّ اهتمام وطني لأنهم ليسوا مواطنين، وربما في أعماقهم يشعرون أنّهم ليسوا بشراً حتى وأنّ فيهم شيئاً من الألوهية والعصمة والتفوق على البشر مجتمعين.. لذلك يكثرون من الخطب والأحاديث والبيانات كي يروون عطش الشعوب من تنوّرهم ونبوغهم.

لا داعي للكتابة بعد الآن بسبب خوفي الشديد جدّاً جدّاً على لبنان من اللبنانيين، وحزني الشديد على الطاقات الواعدة التي شاهدتها تملأ الساحات قبل عشر سنوات، بوطنيّة صافية ومواطنية خلاّقة وواعدة تجاوزت الطائفية بكل أشكالها.. يوم اكتشفنا أنّنا نعيش في بلد يستحق شبابه الحياة، وهم قادرون على قيادته الى الأمام. ولكن خلال عشر سنوات استطاعت أداة الحمق الطائفية من استعادة عافيتها، فدمّرت المواطنية اللبنانية لمصلحة الطائفية البغيضة، ولنفس الوجوه والأسماء التي تسبّبت بالحرب والدمار. وهي تجدّد الآن فعلتها بإقبال شديد وبوضوح تامّ.

لم يعد أمامي سوى الاختيار بين أن أكون بوقاً مذهبيّاً معزّزاً مكرّماً، أو مواطناً لبنانيّاً حقيراً وعديم الاحترام. أو لا داعي للكتابة بعد تحية داعش من الضاحية وعرسال وما هو قادم من التّحيات واحتراماً لما تبقّى من المواطنية في لبنان.