يفتتح الأسبوع السياسيّ المحلّي على مشهد مختلف بالكامل عن الذي مضى قبل عطلة نهاية الأسبوع. إعلان الرئيس سعد الحريري إستقالته من السعودية، انتظار المزيد من الإتضاح حول الموقف الذي نقله علي أكبر ولايتي وأثره في تسريع الأمور في هذا الإتجاه، التداعيات الأولية لقرار الإستقالة على صعيد الأوضاع في الداخل والإقليم، مسار المواجهة بين المجموعة العربية بقيادة السعودية وبين ايران في الفترة الحالية، انعدام التوازن المريع في الداخل اللبناني بين «حزب الله» والمجموعات الأخرى، والشعور في الداخل والخارج أكثر فأكثر بأنّ التفاهمات التي حبكت «تسوية رئاسية» أنهت مفاعيل الشغور بعد عامين ونصف العام لم يجر التقيّد بها، ولو بالحد الأدنى، كلّها عناصر ومناخات لأسبوع سياسي صاخب، يصعب التكهّن إلى أين سيرسي في غضون أيّام.
كلام السيد حسن نصر الله بالأمس جمع من جهته بين الدعوة للاحتراز من الشائعات، وبين الغرف من بعضها، لكنه كلام أعطى الانطباع أيضاً بأنّ الأفعال سوف تكون «مستقلة» عن الكلمات في الفترة الحالية. في المقابل، القوى المناوئة لـ «حزب الله» تساءل أكثر فأكثر، وبالدرجة الأولى من ضمن محيطها، هل أنّ أفعالها ستبقى في حدود الكلام والخطاب، أم أن ثمّة مجالاً للشروع في وضع مخطط للمواجهة، مواجهة تحديات هذه المرحلة بالتحديد، لكن في الأساس مواجهة مشكلة استفحال منظومة «حزب الله» وتحولها الى منصة لإجهاد تدخّلي في أوضاع البلدان الأخرى، وبما لا قناعة تدعمه من معظم اللبنانيين، بل مصالح تتعرّض للأذى من جراء هكذا «تدخل ايراني بالوكالة»، يتبجح من خلاله المسؤولون الإيرانيون بأنّهم يفرضون هيمنتهم، بل «حمايتهم» على لبنان، والكلمة الأخيرة قد تكون عمق ما جاء يحمله علي أكبر ولايتي الى بيروت.
ليس من الواضح في نفس الوقت إذا كانت الساعة المحلية لتداعيات ما بعد استقالة الحريري، ستتناغم في الايقاع مع الساعة الاقليمية. في الشهور الأخيرة، عرفنا العقوبات المالية الأميركية التي تستهدف الاقتصاد السري لـ «حزب الله»، ثم وجود مناخ عربي، خليجي، لم يعد بإمكانه «التطبّع» مع «المنصة الخمينية المستدامة» القائمة في لبنان، والتي أخذت «التسوية الرئاسية»، والتركيبة الحكومية التي أتاحتها، رهينة لها. هل سيتتابع هذا الضغط الغربي والعربي على الحزب ويتصاعد؟ هل يمكن تحييد اللبنانيين بشكل عام عن هذه العقوبات والضغوط، وعن أسلوب «حزب الله» في مواجهتها أيضاً؟ أسئلة مشروعة تبقى الآن محتجبة الإجابة.
ما يمكن الإجابة عنه هو أننا لسنا عام 2011، والإستقالة تفرض واقعاً جديداً. فإذا سار «حزب الله» باتجاه محاولة فرض حكومة خمينية تامة على لبنان بني على الشيء مقتضاه، أو يفترض، واذا سار الحزب باتجاه محاولة احياء «تسوية داخلية» بني على الشيء مقتضاه أيضاً، لكن هذا لم يعد ممكناً على قاعدة الاختباء وراء «التسوية الداخلية» والتحكم بجميع مفاصلها، والتحايل عليها، وأخذها كساتر ترابي في نفس الوقت، لممارسة «هواية القنص» على مصالح وشؤون البلدان العربية الأخرى. أي تسوية داخلية جديدة مع «الحزب» لم يعد بإمكانها أن تستثني الإتفاق على تعديل جدي في سياسة الحزب الاقليمية.
أما اذا طالت فترة «تصريف الأعمال»، مقرونة برفض تشكيل أي حكومة جديدة إلى حين الاتفاق على أسس سياسية لذلك، وهذا محتمل كثيراً، وقد يكون مرجّحاً، فإنّ ذلك سيترتب عليه إعادة خلط أوراق كثيرة، انتخابية وغير انتخابية. وقد يكون البلد بحاجة في الأسابيع المقبلة، علاوة على توضيح مآل الوضع الحكومي بعد الاستقالة، الى إعادة رسم خارطة طريق نحو الاستحقاق الانتخابي في جميع الحالات.
الوضع يستدعي درجة عالية من الحذر ووزن الكلمات وقياس الخطوات، وضبط الانفعالية قدر المستطاع. هناك عناصر كثيرة اليوم للتشاؤم، لكن تبقى نقطة وحيدة مضيئة، أو يمكن التأسيس عليها، أن أي تسوية داخلية جديدة، بل أي تهدئة جديدة، لا بدّ لها أن تربط بين بنودها المحلية وبنود متصلة بالسياسة الخارجية، خاصة وأنّ الخروج عن «منطلقات» التسوية الرئاسية، والخروج عن «الإجماع الرسمي العربي»، لم ينحصر فقط في خطاب «حزب الله»، بل امتد الى السياسة الخارجية للبنان الرسمي.
لا حظوظ قوية لتفادي التدهور، واستلحاق الوضع، وبلورة تفاهمات جديدة، وتسوية سياسية داخلية جديدة، من دون حد أدنى، هذه المرة من الاتفاق على عناوين السياسة الخارجية للبلد، وخصوصاً تجاه البلدان العربية.