لا يكفي أن يتّفق وزير الخارجية جبران باسيل مع رئيس مجلس النواب نبيه بري على المناطق التي سيتمّ استخراج النفط منها، ولو توّج الإتفاق بزيارة رئيس تكتل «التغيير والإصلاح» النائب ميشال عون الى عين التينة، للقول إنّ استخراج النفط قد وُضع على مساره التنفيذي عملياً.
صحيحٌ أنّ مثل هذه الخطوة تحتاج الى اتفاق لبناني داخلي، لكنّ مثل هذا الإتفاق لا يقتصر على الإعتبارات التقنية المتعلقة بالملف النفطي بحدّ ذاته، وإنما بالظروف السياسية والأمنية والعسكرية الإستراتيجية التي لا تزال تضع لبنان على خط الزلازل وعدم الإستقرار.
بكلامٍ آخر، فإنّ مقاربة ملف استخراج النفط اللبناني يحتاج الى اتفاق بين اللبنانيين يحسمون من خلاله دور لبنان الإقليمي وموقعه وتعاطيه مع الشرعيّتين العربية والدولية ومع النظام الإقتصادي الإقليمي والدولي. ومن دون هذا الإتفاق يستحيل تأمين الظروف والإمكانات المطلوبة لاستخراج النفط.
فاستخراج النفط يحتاج الى شركات متخصّصة معظمها أميركية أو أوروبية أو روسية. وهذه الشركات تحتاج الى توظيف رؤوس أموال كبيرة تعد بالمليارات في عمليات بناء منصات التنقيب وحفر الآبار واستخراج الغاز، وهي بطبيعة الحال لن تكون مستعدة للقيام بمثل هذه التوظيفات ما لم تضمن سلامة استثماراتها وإبقاءها خارج دائرة الصراعات والحروب والمخاطر العسكرية والأمنية.
وضمان سلامة الإستثمارات يحتاج الى حال من الإستقرار الطويل الأمد خصوصاً في الجنوب اللبناني وهو ما لا يمكن أن يتحقّق في ظلّ إصرار «حزب الله» على الإحتفاظ بسلاحه وبالتالي على مصادرة القرارات السيادية والإستراتيجية للدولة اللبنانية وتجييرها لإيران واستراتيجياتها الإقليمية والدولية.
من هنا يبدو استخراج النفط من المياه الإقليمية للدولة اللبنانية مستحيلاً من دون اتفاق بين اللبنانيين يقبل بموجبه «حزب الله» بأن يتخلّى عن استراتيجيّته الهادفة الى جعل لبنان جزءاً من المحور الإيراني في المنطقة، وبالتالي جزءاً من المواجهات العسكرية والأمنية التي تضرب دول المنطقة من سوريا الى العراق الى اليمن والبحرين وغيرها من دول الخليج العربي.
ولنفرض على سبيل الجدل بأنّ استخراج النفط تمّ بسحر ساحر، فإنّ لبنان سيكون في مواجهة معضلة أخرى تتمثل في الآليات الخاصة بتصدير النفط المستخرج، وهي آليات تحتاج بدورها الى استقرار وحالة سلام لا تبدو عناصرها متوافرة في الأفق السياسي والأمني والعسكري اللبناني بما يسمح بربط الآبار النفطية اللبنانية الموعودة بشبكة من أنابيب النقل في البحر الأبيض المتوسط حيث النفوذ الإسرائيلي والتركي والأميركي والروسي المباشر وغير المباشر.
أما القول إنّ سلاح «حزب الله» هو الضامن والحامي لثروة لبنان النفطية، فمجرد شعار غير قابل للصرف السياسي والإقتصادي والإستثماري في ظلّ المعادلات المذكورة، لأنّ أيّ شركة أجنبية لن تكون في وارد الإستثمار وتوظيف الأموال ما لم تطمئن الى أنّ اتفاقات سياسية إقليمية ودولية تحمي استثماراتها، علماً أنّ رؤوس الأموال الكبرى وخصوصاً في قطاع الإستثمارات النفطية غالباً ما تتحرّك بإيعاز سياسي من الدول الكبرى وبضوء أخضر من القوى الفاعلة والمؤثرة.
كذلك، فإنّ تلويح بعض هواة السياسة اللبنانيين بأنّ لبنان قادر على استخراج نفطه وتسويقه يمكن أن يتمّ من خلال اللعب على التناقضات الروسية – الأميركية والروسية – الأوروبية عبر منح شركات روسية حقوق التنقيب والإستخراج بما يدفع بروسيا الى استخدام نفوذها العسكري والسياسي في الشرق الأوسط والبحر الأبيض المتوسط لحماية النفط اللبناني، لا يعدو كونه مزيجاً من المقامرة والمغامرة التي سرعان ما ستكشف مراهقة بعض أركان النادي السياسي اللبناني في ظلّ التفاهمات الإستراتيجية المستجدّة بين روسيا وكلّ من إسرائيل وتركيا والولايات المتحدة الأميركية.
إنّ استخراج النفط اللبناني، يحتاج الى اتفاق بين اللبنانيين ليس على تقاسم الحصص المالية والوظيفية والإستثمارية لهذا القطاع، وليس حتى على مجرّد انتخاب رئيس للجمهورية، وإنما على قيام دولة حقيقية وهو ما لا يمكن أن يتمّ من دون إقرار «حزب الله» بحصر القرارات السيادية والإستراتيجية كافة بالمؤسسات الدستورية قولاً وفعلاً، وبالتوقف عن مصادرة قرارات هذه المؤسسات وإخضاعها لاستراتيجيات الحزب الإيرانية، وبالتالي فإنّ على اللبنانيين، إن هم أرادوا فعلاً الإستفادة من ثروتهم النفطية المفترضة أن يختاروا بين السلاح وحالات الحرب من جهة وبين السلام ومشاريع التنمية المستدامة. وإدعاء القدرة على الجمع بين هذين النقيضين مكابرة ستصطدم بالواقع وستصدم اللبنانيين وتزيد من إحباطهم.
* عضو الأمانة العامة لقوى «14 آذار»