IMLebanon

“لا تندهوا ما في حدا… إلا الصدى”

قد يكون المسيحيون اللبنانيون مصيبين أو مخطئين في التفاف ما يقارب السبعين في المئة منهم أو يزيد حول قادتهم الاربعة: أمين الجميل، ميشال عون، سمير جعجع، سليمان فرنجيه (مع حفظ الالقاب) والاحزاب والتيارات التي يمثلون. لكنه الواقع الذي يستحيل انكاره، ويتعين التكليف معه الى حين بروز معطيات مختلفة تبدل المشهد السياسي. وان استطلاعات الراي في صفوفهم دلّت على ان تسعين في المئة منهم يؤيدون الحوار القائم بين “التيار الوطني الحر” و”القوات اللبنانية”. وان هذا التأييد لا ينطلق من عدم، بل من اقتناع راسخ لدى الرأي العام المسيحي بأنه لم يسبق لخلاف سياسي تسبب بشرخ عمودي، حاد داخله، كما تسبب به خلاف هذين القائدين منذ بدايات تسعينيات القرن المنصرم حتى اليوم، على الرغم من ان المسلمات التي ينبغي أن تجمع بينهما على ارض واحدة، هي أكثر من عوامل التفرقة والتجزئة. فالرئيس أمين الجميل ومعه حزب الكتائب متصالح مع الجميع، ولا خصومات بينه وبين أي طرف مسيحي وحتى لبناني، وهو قادر على التواصل في كل الاتجاهات بمرونة وانفتاح. وما ينطبق على الجميل ينطبق كذلك على النائب سليمان فرنجيه و”تيار المردة”. فهذا السياسي تصالح مع نفسه والآخرين منذ زمن عندما تجاوز جرحه الشخصي سالكا طريق العفو لم يبق في الميدان سوى عون وجعجع، والانظار شاخصة اليهما. وثمة من يراهن على انعدام قدرتهما على متابعة مشوار الحوار، مصراً على وصفهما بـ”الاخوة الاعداء” فهل لديهما التصميم الكافي لاسقاط هذا الرهان؟

سؤال بحجم التحدي الذي يواجههما، ويقض مضاجع الجميع. خصوصاً أن الخلاف المستحكم بينهما هو العقبة المحلية الكأداء في طريق انجاز الاستحقاق الرئاسي، لأن الارادة الخارجية لا يمكن أن تتجاوز اعتبارات الداخل، خصوصا اذا كان اللاعبون من حجم القيادات التي تختصر معظم المشهد السياسي الماروني. في بدايات الحرب اللبنانية صرح المرحوم كمال جنبلاط أن بامكان خمسة فلسطينيين “رمي الكتائب في البحر”، لكن توقعه لم يصح. وفي تصريح آخر قال: “سلحوا المسيحيين – يقصد الموارنة – وهم يتكفلون بعضهم ببعض”، وصدق حدسه بدليل أن حروب الالغاء التي برعوا فيها ادت الى انحسار نفوذهم، وتقويض سلطتهم، وارغمتهم على القبول مكرهين بـ”طائف” طبق بطريقة عرجاء، ما زاد في تهميشهم، واطال انتظارهم على قارعة رصيف المعادلة الوطنية.

ان عدم تماسك القوى السياسية الرئيسة لدى المسيحيين، ولا سيما الموارنة، يدفع الى توسيع رقعة الاحباط وانحسار الهالة التي تحيط بقادتهم، ولا سيما من يتحاور منهم اليوم اذا لم يتداركوا الأمر ويحتسبوا له. ولست أرى سبباً لاطالة أمد الحوار الا اذا أقرّ القطبان عون وجعجع، ان البحث في “جنس الملائكة” هو في صلب جدول الاعمال، فعلام الخلاف: على رئاسة مجردة من صافرة حكم، وبطاقات صفراء وحمراء، قادرة على ضبط الايقاع السياسي واعادة الانتظام الى مرافق الدولة؟ أو على مستقبل المسيحيين في لبنان، وهم يرقبون بقلق كبير ما يحل بأخوتهم في سوريا، والعراق ومصر. ضمور ديموغرافي، تراجع في نوعية الحياة، تقهقر اقتصادي، قصور كنسي في تسييل الاوقاف ضمن خطة انمائية متوازنة، متكاملة تحفظ الانسان والارض؟ أو على الاصرار بالاستمرار في الايمان بالدولة والانخراط في اداراتها واسلاكها، واستعادة ما يمكن استعادته من مواقع؟

ان استرجاع الجمهورية لا يكون باوراق عمل متبادلة، وصيغ انشائية، وتوأمة المصالح، والكتابة بحبر الرهانات، بل بخطوة شجاعة نحو الاتفاق الشامل المرتكز على معطيات واقعية تفرض منطقها على المتحاورين الذين يتعين عليهم التعامل معها كما هي، من دون تذاك، لأن من باع الناس آمالاً عليه الا يجعلها تحصد خيبات. وليكن القادة الموارنة وللمرة الاولى بائعي “تفاؤل”، لا “وهم”، على ان يكون هذا التفاؤل مقدمة لاستنهاض حال بائسة لا يرضاها الآخرون لنا، فكيف نرضاها لانفسنا؟ فأبعد من المخاطبة الوجدانية، والاستدرار العاطفي، نقول لهؤلاء القادة، ولا سيما للعماد ميشال عون، والدكتور سمير جعجع: اما كفانا تدميراً ذاتياً؟ واذا استمر الوضع على ما هو عليه من ترد، فمَن ستمثلون غداً، وباسم مَن ستتكلمون بعدما تبحر قوارب اليأس بالمسيحيين بعيداً؟ قد يأتي يوم يهمس لكم أحدهم. “لا تندهوا ما في حدا… إلا الصدى” و”السلام على من اتبع الهدى”.

كاتب وصحافي