IMLebanon

لا أحد أكبر من دولته ومن وطنه

قضي الأمر. إلى هذا الحدّ فقط، سُمح للجيش اللبناني البطل أن يصل في إنجازاته وبطولاته. أكثر من ذلك… ممنوع! أكثر من ذلك، من شأنه أن يعطي الجيش مزيدا من التأييد الشعبي والوطني الشامل، كما من شأنه تخفيض هتافات النصر والانتصار لدى الآخرين. أكثر من ذلك، ممنوع، لأن تركه مستمرّا في مسيرته الوطنية المظفرة قد جوبهت بإيقافها بإمرة آمر، وتمّ من خلال إيقافها اختطاف النصر الحقيقي، من قيادة النصر الحقيقي من قيادة الجيش وجموع الجند المقاتلين وأرتال الشعب الذين أحيت معركة جيشهم ونجاحاته المظفرة آمالهم بأنّ قوّةً وسلطةً وطنية وشرعية قد تشكّلت فعلا وبدأت في أداء مهامّها السيادية بنجاح وفعالية وسط إجماع شعبي كاسح. ممنوع، لأن انتصار الجيش لو استُكْمِلَ حتى النهاية كان من شأنه أن يُعْلي أكثر من موقع الجيش في الوطن وفي الدولة، وأن يزيد من نسبة صون عزته وسؤدده، وأن يثبت بما لا يرقى إليه أدنى شك أنه جيش قويّ البنية، شديد المراس، طائل وقادر على تحقيق الإنتصارات في كل الساحات الوطنية والعملانية والفئوية فأطلقه المواطنون اللبنانيون طليعة رئيسية باتت الرمز والرجاء وعلقوا عليه جملة من الآمال التي من خلالها يمكن انتشال الدولة من أوحال الواقع القائم.

قضي الأمر، بعد سلسلة من التصريحات التي سبق وأكّدت أنه لن يكون هناك تنسيق مع أية جهة كانت، خاصة منها تلك القادمة أو المستقدمة إلينا من خارج الحدود، وبعد الإستهجان الذي طولب فيه لبنان أن يهرع بأقصى السرعة وبمنتهى العلانية، ومن فوق الطاولات وليس من تحتها، إلى الطلب من النظام السوري (بعد أن أضاف السيد حسن الجيش السوري إلى تركيبته «الذهبية» الشعب والجيش والمقاومة فأصبحت رباعية «مذهّبة» أيضا!!)، أن يُجري مفاوضات فورية مماثلة للمفاوضات التي أجريت مع النصرة. وسواء كانت هناك استجابة تحت الطاولات لهذا الطلب أم لم تكن، فإن الواقع المرّ، أن الدولة اللبنانية لم يحسب لها حساب، وأن حزب الله اتخذ قراره بنفسه لنفسه، وبمعزل عن الجميع، دولة وحكومة وجيشا ومؤسسات، بعد جملة من المقدمات الضاغطة والفارضة والمطالبة بإدخال الجيش السوري في رباعية «ذهبية» جديدة تخرق السيادة اللبنانية بدستورها وقوانينها وميثاقياتها، وتدخل الجيش السوري بإضافته جزءا من تركيبة الدولة اللبنانية نستبدل فيها الذهبية القديمة برباعية ينضم إليها الجيش (النظام) السوري إلى صلب السيادة اللبنانية وهذا «الفرمان» العجيب الغريب، إصطدم فور الإعلان عنه برفض قاطع لدى الغالبية الكاسحة من اللبنانيين، فكان ذلك أغرب من تلك المستجدات المتسارعة التي لحقت بحرب الجرود التي خاضها الجيش اللبناني بصورة باهرة، أجمع الداخل والخارج على الإشادة بمستواها العسكري الرفيع الذي تجلى بجملة من الإنتصارات السريعة المتلاحقة، فكانت أسرع منها، تلك المستجدات التي أحدثها حزب الله فأوقفها وأوقفت الإنجازات الباهرة عند حدود اكتمال النصر الكاسح محتكرا لنفسه ولمحيطه الخارجي نصرا مصطنعا، ومُخفيا أهدافه، التي انطلقت من حولها، جملة كبيرة من علامات الإستفهام التي تضع حرب «فجر الجرود» في موقع الغموض والتساؤل حول موقف الحزب بشأنها وبشأن أولئك المجرمين الذين رافقتهم في رحلتهم «السياحية» تلك المعاملة المتسمة برتبة «الخمس نجوم»، وجرت معهم «مفاوضات» واتفاقيات مسبقة على العمليات العسكرية وأجريت معهم اتفاقيات «الباصات المبردة» التي نقلتهم إلى أماكنهم الآمنة في سوريا وعلى حدودها مع العراق حيث قامت قيامة الدولة العراقية والمواطنين العراقيين على اتفاق غامض ومقلق ومهين، وانطلقت المواكب الداعشية، معززة مكرمة وعلى الوجوه دلائل الإمتنان والإطمئنان. ماذا حصل؟ ما هي الأسباب، ما هي الدوافع، ما هو الثمن المقبوض؟ من الذي ظفر بحصة الأسد من هذه التطورات «الأسدية»؟ ما هي الأسرار العميقة التي تُغلّف هذه التطورات الدراماتيكية. أين ذهبت دماء شهداء الجيش الذين ثبت أن هناك عِلْما بمصيرهم المأساوي منذ شباط 2015؟ لماذا لم تنفّذ إرادة وتوجهات الجيش اللبناني الرامية إلى إنهاء الأسطورة الداعشية المصطنعة على الأرض اللبنانية ولماذا لم يتمكن الجيش من القضاء على قتلة الجنود المخطوفين وإحالة متخذي قرار القتل ومنفذيه ومواكبيه إلى القضاء لايقاع حكم القانون عليهم بواسطة المحاكم اللبنانية، مع مراعاة كاملة لحقوق الإنسان، وأنظمة حقوق الأسرى، حتى ولو كانوا منتمين إلى صفوف الدواعش التي انطلقت إلى كل الدنيا، شاغلة كل الناس بعد أن كان انطلاقها من السجون السورية وسجون المالكي في العراق.

تساؤلات نتوجه بها لكل ذي شأن في مواقع السلطة اللبنانية، وخاصة إلى وزراء حزب الله الجالسين على مقاعد مجلس الوزراء والهارعين إلى تلبية الدعوات السورية بارادتهم المنفردة وبقرار حزبهم غير القابل لأي طريق من طرق المراجعة، وكفى الممانعين من كل حدب وصوب، تخفيا وراء الكلام المعسول المتخفّي بشعارات مبدئية والزعم بأن لبنان كدولة لا يتعامل في قضاياه من خلال «الانتقام». الملفت هنا أن الناطق باسم «الدولة اللبنانية» هنا هو السيد حسن نصرالله نفسه، الذي ألغى بهذا التصريح وبما واكبه من تصرفات أشرنا إليها بتساؤلاتنا الواردة أعلاه، ان ما يطالب به اللبنانيون لا علاقة له إطلاقا بمبدأ البعد عن الإنتقام وعفا الله عما مضى، بل هو مرتبط بمبدأ تحقيق العدالة ومحاكمة الأشرار والقتلة الذي أجرموا بحق جنود الجيش اللبناني وتركوا عائلاتهم وأطفالهم في غياهب الحزن والأسى والمعاناة. وكفى المواكبين للأجواء «الذهبية السائدة» أقوالا متباهية بتصدّيها لأولئك الذين سبق أن تصدوا لمؤيدي التيار الوطني الحر أمام قصر العدل في بيروت وأعملوا بهم شتى أنواع الإيذاء والتنكيل، وهم أول العالمين بأن هؤلاء كانوا يشكلون الأيادي المحلّية للنظام السوري وأتباعه التي أذاقت اللبنانيين جميعا بأمثال ما أذاقوه لأتباع التيار الوطني الحر، ولكن قدرة القادر هي التي وضعتهم جنبا إلى جنب مسارات مواكبة للنظام السوري وخاضعة لسياسات الحرس الثوري وقياداته، وأغرب ما يصدر عن هؤلاء من دفوع ومواقف إتهامية، تتمثل في ما ينقلونه عن اكتافهم ومواقفهم، ليحمّلوه لرئيس الوزراء السابق الرئيس تمام سلام، وهو الذي تولّى منصبه في رئاسة الحكومة آنذاك بترشيح من تيار المستقبل ورائده الرئيس سعد الحريري، وليسمع هؤلاء ما أعلنه الشيخ سعد بأن مثل هذه الإتهامات المتجنية، تنال أكثر ما تنال من كانوا منهم زملاء للرئيس سلام في الحكومة، ولم نسمع لهم أي صوت آنذاك.

وليسمع هؤلاء ما قاله الوزير جنبلاط بهذا الصدد: إن تحميل الرئيس سلام المسؤولية، أمر معيب.

وليسمع هؤلاء أيضا ما قاله «حليف» التيار الوطني الحر الدكتور سمير جعجع تعليقا على المواقف الأخيرة: إن الحزب قد اتخذ موقفا مخادعا وما يهمه من كل ذلك هو نفسه ومصالح النظام السوري وإيران.

وبالنتيجة، لا يصح إلاّ الصحيح، ولا أحد (شخصا أم حزبا أم مجموعة) أكبر من وطنه «ودولته» هكذا قال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، صاحب النظرة البعيدة الثاقبة، ورمز الوطنية الحقّة والتطور والتسامح والاعتدال.