الأزمة المؤسسية شاملة منذ شغور قصر بعبدا، بل منذ تمديد المجلس النيابي لنفسه، بل منذ وصول الأخذ والرد حول مشروع القانون الانتخابي الى طريق مسدود، حين اجمعت القوى على انه لا عودة الى قانون الستين، وانشطرت حول مشروع قانون «كل طائفة تنتخب نوابها».
بل قبل ذلك أيضاً، صارت أزمة المؤسسات شاملة مباشرة بعد انتخابات ألفين وتسعة، بفرض معادلة: لو ربحنا الانتخابات، نحن جماعة «حزب الله»، لكنا «اعدنا تشكيل السلطة»، لكن ما دمتم انتم من ربح الانتخابات، سوف نتكفل «بإعادة تشكيلكم».
الأزمة شاملة لكن لا مخرج شاملاً منها. بالكاد يمكن تلمّس ثقب هنا وثقب هناك. بالكاد، لأنّ مكابرات كثيفة وعنتريات غليظة تعود فتسدّ ما ظهر من ثقب في جدار الأزمة.
في العام الأول من شغور الرئاسة تجلت الأزمة ركوداً يتشبّه بنوع، جزئي وهشّ، من الاستقرار. لم نكد ندخل في العام الثاني شغور حتى تحلّت الأزمة بالحيوية. أخذت الأزمة شكل الحراك، وأخذ أهل الحراك على عاتقهم، التفلت من عنق الأزمة. كان ذلك على خلفية صاعق من نمط خاص: مشكلة عويصة ومستعصية كمشكلة النفايات، وتأخر جسيم من قبل السلطة التنفيذية وجهاز الدولة لاستباق الكارثة المحدد تاريخ وقوعها قبل اشهر عديدة.
لكن علاقة هذا الحراك المدني الشعبي مع الناس، مع الرأي العام، جاءت كالأكورديون. في أواخر آب، توسع الاكورديون شعبياً، وفي ايلول انحسر. في أواخر آب، اعداد غفيرة تظاهرت للمرة الاولى في حياتها، ولهدف مطلبي، وفي ايلول حدث انكفاء نسبي من جهة، وعمل دؤوب من طرف انصار «النظام الامني» البائد لفرز الحراك، بين «ممانع مقبول»، وبين «مدني مردود»، ما ترافق مع بدعة خدمة المطلب البيئي بوسيلة معادية للبيئة.
الاكورديون لا يتسع صدره وينحسر اعتباطاً طبعاً. معدل الزيادة في خشونة الاستهدافات، ومعدل «الساينس فيكشن» في بعض أساليب التعاطي مع الخطة المقترحة من الوزير اكرم شهيب، بدلا من ان يكون المسعى نقاش الضمانات الضرورية لتحصين ايجابيات الخطة، كل هذا جعل الناس تدغم بين أزمة ثقتها بالسلطة التنفيذية وجهاز الدولة في ما يتعلق بمسألة النفايات، وملفات اخرى، وبين أزمة ثقتها بمسار الاحتجاجات. ومع ان هذا ليس الا محاولة وصف الامور في النقطة الراهنة المحددة الا ان طابع الازمة الشاملة سيتعزز، ان كان، من بعد ازمة تعطل المؤسسات بين شغور وموت سريري، وبعد انسداد او اتلاف قنوات التفاوض الاجتماعي في البلد منذ سنين عديدة، فاننا أمام انعدام ثقة العدد الاكبر من الناس سواء بسواء من الادارة القائمة للملفات، بدءا من النفايات والبيئة، ومن الاحتجاجات على هذه الادارة او على انعدامها، او على قلة حيلتها.
فهل سيعني ذلك العودة مجددا في منحنى الازمة الى فترة ركود بعد الصخب؟ هل انها دورة زمنية نفسية سننكب بها مطولاً؟ أم أن الشارع سيبقى منفذ تصريف بعض الازمة الشاملة، سواء كان بعناوين مطلبية او بعناوين «فكرية» اذا ما اعتبرنا ظاهرة ميشال عون؟
طالما ان الاقرار بشمولية الازمة لم يستتبع باقرار بأن لا أحد يملك الحل لوحده، وبأنه ليس هناك حل شامل بشمولية الازمة نفسها، فان التفاؤل غير جائز كثيراً هنا. ستكون له فرصة فقط اذا جرى الاقرار بأن انفجار مسألة النفايات ونشوب الحراك وطرح خطة شهيب تشكل مداخل ثلاثة للدخول في فترة انتقالية على طريق طرح عناوين الازمة الشاملة. لا خروج من ازمة شاملة الا بفترة انتقالية. والتفكير الانتقالي بالذات هو المفتقد اليوم عند شتى القوى والحركات. مع انه اساسي.