يأخذ عليّ أصدقاء وقرّاء اعزّاء تشاؤمي وسوداوية نظرتي الى وضع لبنان الحالي وما يمكن ان يصيبه من النار الملتهبة في المنطقة، والانحلال الذي يضرب الدولة في الداخل، ويعتبر بعضهم ان ما يواجهه لبنان، سبق له ومرّ به سابقا، واستطاع تجاوزه، بما يملكه اللبناني من قدرات تجاوزت احيانا الاعجاز وبالتالي لا خوف على لبنان، ولا على الدولة والكيان والصيغة، وسيخرج من ازمته، بمثل ما خرج من الازمات السابقة، ولا يلزم سوى التحلّي بقليل من الصبر والكثير من الايمان، واستبدال التشاؤم بالتفاؤل.
في حقيقة الامر انني احسد الاصدقاء والقرّاء على نظرتهم التفاؤلية وهدوء اعصابهم، وتقديم الايجابيات على السلبيات، وعلى نعمة الصبر، التي ساعدت كلّها على جعل اللبنانيين، او على الاقل اكثريتهم، يقبلون بالامر الواقع المعيوشي، بدءا بعدم الانتفاض على هذه الطبقة الحاكمة وعدم محاسبتها على الحياة البائسة التي يعيشها اللبنانيون، منذ فترة غير قصيرة واذا كانت الماركسية تعتبر ان «الدين افيون الشعوب» فان الطبقة السياسية الحاكمة الخارجة من رحم الطائفية والمذهبية الرجعية والاقطاعية السياسية وغير السياسية، استطاعت ان تحوّل ذاتها بالتعاون والتكافل بين جميع مكوّناتها الى افيون الشعب اللبناني، الشيطان الاخرس، الساكت على الظلم والبهدلة والافقار والموت المجاني الى درجة ان هذا الشعب لا يتابع ما يحصل يوميا من مستجدات على الارض او معلومات تعلم وتذاع او تسريبات هدفها «فحص» ردّة فعل اللبنانيين على احداث تحضّر هي اخطر بكثير مما عبر وهي لا تدعو الى التشاؤم فحسب بل الى القلق الشديد عمّا يحضّر عسكرياً، وميدانياً، على الحدود الشرقية مع سوريا، وعلى الحدود الجنوبية مع فلسطين المحتلة، وما يجري في الداخل من ثورة ناتجة بدرجة كبيرة عن فشل الحكم في التصدي لها بفاعلية وقوة.
على صعيد ما يدور من نشاط في سلسلة الجبال الشرقية الحدودية مع سوريا، اشارت التحقيقات الصحافية الى ان الاقمار الصناعية رصدت تحركات كثيفة لتنظيمات ارهابية، تستعد لفك الطوق عنها، اما باتجاه الاراضي اللبنانية، واما باتجاه مواقع النظام السوري وحزب الله، وان هذه التنظيمات مجهزة تجهيزا جيدا وعدد افرادها يتجاوز الثلاثة الاف مقاتل، وسبق لمصدر عسكري لبناني واعلن ان هناك تنسيقاً ضمنياً غير معلن بين الجيشين اللبناني والسوري كما ان العماد جان قهوجي قائد الجيش صرح منذ ايام قليلة ان الجيش متحسب لما بعد ذوبان الثلج، ما يعني ان معركة الجرود اللبنانية ستكون جاهزة للانفجار في اواخر شهر نيسان المقبل، حين ينتهي ذوبان الثلج، ويأتي تصريح النائب وليد جنبلاط المتشائم جدا، بعد خروجه من لقاء مع الرئيس الفرنسي فرنسوا هولند، ليزيد من قوة التشاؤم، ان الحرب طويلة، وستؤدي الى انهيار دول الهلال الخصيب، وان معاناة الشعوب العربية ستكون معاناة رهيبة، فهل في هذه الاخبار ما يدعو الى التفاؤل بعد، خصوصا بعد انتصار عدو السلام رقم واحد بنيامين نتنياهو الذي يعد العدة، وينتظر اللحظة المناسبة، للقيام بعدوان واسع على لبنان، على ما يفصح عنه ضباط اسرائيليون كبار بان الحرب ضد حزب الله حتمية، وساعة الصفر ستكون اسرائيلية هذه المرة.
اما الكوارث الداخلية التي تضعف قوة لبنان ومناعته، فقد كتب عنها الكثير، وهي تختصر بالفراغ والفساد وشلل المؤسسات، وضعف الاقتصاد وازدياد البطالة والدين العام والجديد الطازج الذي يضاف اليها، ما اعلنته امس نقابة المستشفيات ان خمسة بالمئة فقط من تكلفة استشفاء وعلاج مليون ونصف مليون نازح سوري مؤقتة والباقي عبء على الدولة، هل من كلام بعد عن التفاؤل؟؟؟