الكلام المنسوب الى الوزير جبران باسيل، وهو رئيس تيار مسيحي واسع الانتشار وصهر رئيس الجمهورية وطامح لخلافته، عن «السنّية السياسية» ليس مقبولاً. لكن بعض الملاحظات قد تفرض نفسها.
إنّ ما يشعر به المسلمون السنّة من قيادات وقواعد حيال هذا الكلام المنسوب الى مرجعية سياسية مسيحية هو نفسه الشعور الذي سيطر على عقول وقلوب المسيحيين منذ السبعينات عندما اتّحد المسلمون سنّةً وشيعةً ودروزاً وناصروا السلاح الفلسطيني الغاصب ومن ثم الاحتلال السوري على حساب الدولة والوطن، وصولاً الى التوطين الفلسطيني والاستيطان السوري اللذين يغيّران وجه لبنان ويضربان سبب وجود الكيان.
وهذا الشعور هو نفسه الذي شعر به المسيحيون عندما تمّ اعتمادُ اتفاق الطائف، بعد استنزاف آخر مقوماتهم في حروب عبثية، والذي كان على حساب صلاحياتهم من جهة، وعلى حساب سيادة لبنان بفعل التفويض العربي والغربي الذي أُعطي لسوريا لتطبيق هذا الاتفاق، من جهة اخرى.
فبعد فشل «المارونية السياسية» التي أسّست لدولة حديثة وسمحت بازدهار لبنان وتميّزه عن محيطه البائس، أتت محاولات فرض «السنّية السياسية» والتي أعادت إعمارَ ما دمرته الحرب من حجر، ضمن تفاهمات إقليمية على حساب استقلال لبنان وسيادته. فإذا كانت «المارونية السياسية» ظالمة تجاه فئة من اللبنانيين، فمرحلة ما بعد الطائف ظلمت كل لبنان وإن استفادت جماعات معيّنة منه.
وأتت النزاعات الإقليمية مجدداً لتضرب مرة اخرى التوازنات الداخلية، ما أوحى بأنّ «السنّية السياسية» استسلمت امام… «شيعية سياسية» ناشئة مرتبطة بمحور إقليمي ركيزتاه إيران وسوريا. فاختلت التوازنات الداخلية من جديد لصالح الشيعة وعلى حساب السنّة وعلى حساب المسيحيين ايضاً وإن ظنّ بعضُهم نفسَه رابحاً ظرفياً…
واليوم، وتوطين الفلسطينيين يلوح في الأفق والاستيطان السوري يضع النازحين السوريين على طريق التوطين، تستمرّ المعركة بين «سنّية سياسية» مهتزّة و»شيعية سياسية» ركيكة، ويحاول بعض المسيحيين وعلى رأسهم جبران باسيل وما يمثل أن يقحموا أنفسهم في قلب المعركة هذه والتي ظاهرها لبناني وامتداداتها إقليمية ودولية، وهي معركة خاسرة للجميع وخصوصاً للمسيحيين.
ومَن استنفر من ضمن المجتمع السنّي ضد باسيل هو أول مَن يخدم أهدافه الجانبية (محاصرة أخصامه المسيحيين المتحالفين مع تيار المستقبل) وطموحاته الشخصية… وعلى ايّ حال، هم يخطئون الهدف إذ يصوّبون على مَن لم يتردّد في إقحام المسيحيين بمعركة جديدة خاسرة، خوفاً من أن يصوّبوا على مَن أجهز فعلياً على ما تبقّى من «السنّية السياسية»…
«السنّية السياسية أخذت حقوق المسيحيين»؟ النقاش قد يطول حول الموضوع. لكنّ السؤال الذي لم يجرُؤ أحد على طرحه والذي قد يساعد في إعادة تصويب النقاش هو «مَن يحاول أخذ حقوق الجميع؟»…
ويبقى الحلّ في إنتاج «وطنية سياسية».