رغم الحبر الكثير الذي سال في الأسبوعين الماضيين عن انفراجات محتملة قد يحملها الشهر المقبل ربطاً بـ»حوار السلة» الذي دعا اليه رئيس مجلس النواب نبيه بري مطلع آب المقبل، والذي مهدت له تسريبات ومعايدات وزيارات واتفاقات (النفط) أعطت انطباعاً أن ملف انتخاب رئيس للجمهورية نضج، فإن كل ما تقدم لم يبنِ مدماكاً واحداً في مسيرة «الألف ميل» الرئاسية.
هذا هو الانطباع الثابت لدى أكثر من مرجع أو قطب سياسي لبناني، كما لدى الكثير من السفراء المتابعين بدقة للوضع اللبناني، الذين يتناوبون على تفنيد الأسباب المعيقة لأي تقدم سواء في ملف الرئاسة أو في غيره من الملفات المتراكمة، وأبرزها:
– إن سياسة «ربط الملفات» الداخلية في سلة واحدة ربما تفتح الطريق أمام قواعد جديدة للحوار بين الفرقاء المتنازعين، لكنها في الوقت عينه تعقّد مسيرة الوصول الى تفاهمات باعتبار أن كل ملف على حدة يحتاج الى معجزة فكيف الحال إذا تم جمعها في سلة واحدة، تماماً كما هي نتيجة سياسة «ربط الملفات» في الإقليم التي باتت تحتاج الى أكثر من معجزة لحلها ضمن سلة واحدة.
– إن تبديل روزنامة أولويات الملفات لن يقود بالضرورة الى معالجتها. فالتوافق على قانون جديد للانتخاب ومن ثم إجراء الانتخابات النيابية لن يفضي بالضرورة الى توافق على الرئيس العتيد، كما أن التفاهم على الأخير قد لا يفتح الباب على توافق محتم حول قانون الانتخاب.
– إن تلازم الأزمات الداخلية والإقليمية لا يشجع على التفاؤل بقرب نضوج التسوية، مع التذكير بأن حال الانقسام الإقليمي في مرحلة اتفاق الدوحة لم يكن بالحدة التي يشهدها الإقليم اليوم والتي بلغت حد نشوب حرب عسكرية إقليمية وعالمية في المنطقة، بحيث أن الأطراف الإقليميين باتوا يحتاجون الى «عراب» قادر على معالجة نزاعاتهم قبل أن يتمكنوا هم من لعب دور العرّاب لتسوية لبنانية.
وفوق ذلك كله، ثمة من يرى أن لبنان دخل في مرحلة «تناسل» الأزمات بمعنى تفرع أزمة أو أكثر عن كل أزمة، مثل استحقاق أزمة ملف قيادة الجيش في أيلول المقبل التي تطرح أكثر من علامة استفهام حول كيفية التوافق على تعيين قائد جديد للمؤسسة العسكرية في ظل شغور موقع الرئاسة الأولى، وفي ظل حكومة معطلة مثل الحكومة الحالية التي يملك كل وزير فيها صلاحية رئيس.
أما إذا كان الرهان على انفراجات إقليمية هو مفتاح التفاؤل في الوسط اللبناني فإن هذه الانفراجات أصبحت أبعد من أي وقت مضى في ظل:
1 المواجهة المتصاعدة سياسياً وديبلوماسياً وعسكرياً بين المملكة العربية السعودية وإيران حول سوريا.
2 تراجع آمال التسوية حول اليمن مع رفض الحوثيين الالتزام بالقرارات الدولية في اجتماعات الحوار في الكويت، وعودة السلطة الشرعية في اليمن الى الحديث عن معركة صنعاء ورفض قيام «دولة فارسية» في اليمن.
3 استضافة فرنسا لمؤتمر المعارضة الإيرانية ضد نظام الملالي في إيران في ظل حضور دولي وعربي غير مسبوقين، مع العلم أن باريس هي من العواصم القليلة القادرة على لعب دور الوسيط بين العرب وإيران بعد «الاتفاق النووي».
4 انكفاء الدور الأميركي عن المنطقة أكثر من أي وقت سابق بسبب الانهماك بالتحضير للانتخابات الرئاسية العتيدة.
كل هذه المؤشرات تشي بأن أوان التسوية الداخلية لم يحن بعد، وأن كل ما يدور من محاولات أو إيحاءات لا يعدو كونه تقطيعاً للوقت في مرحلة شديدة التعقيد والخطورة.
فلا انتخاب لرئيس جديد للجمهورية، ولا تفعيل للحكومة ولا لمجلس النواب، ولا قانون جديداً للانتخاب، ولا تعيين لقائد جديد للجيش، ولا تسوية إقليمية ولا محلية. ولا من يحزنون.