IMLebanon

لا رئيس قبل الحلّ السوري؟

يَعتقد قطبٌ سياسيّ أنّ لبنان سينتظر وقتاً طويلاً قبل الوصول إلى حلول لأزمته واستحقاقاته الدستورية والسياسية المتعدّدة، على رغم ما طرِح وسيُطرَح من مبادرات وما يمارَس من ضغوط على هذا الفريق أو ذاك.

ويلاحظ سياسيون كيف أنّ ما اصطلِح على تسميته «مبادرة» طرحَها الرئيس سعد الحريري مع زعيم تيار «المردة» النائب سليمان فرنجية، صارت تسَمّى «فكرة» في نظر بعض أركان تيار «المستقبل»، وكأنّ في هذه التسمية الجديدة لـ«المبادرة» ما يشبه «التنصّل» منها، في الوقت الذي ذهبَ البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي الى «التمييز» بينها وبين»الإسم» الذي رشحَته لرئاسة الجمهورية، أي فرنجية، مع العِلم أنّ صاحبَها لم يُعلنها رسمياً بعد حتى الآن.

وقد قرَأ هؤلاء السياسيون كلام الراعي على أنّه يؤيّد المبادرة مبدئياً من حيث كونها تحضّ على انتخاب رئيس جمهورية لإنهاء الشغور الرئاسي، ولكنّه يعتبر ترشيحَ فرنجية غيرَ محسوم، أو قابلاً للنقاش، وأنّ اسمَ الرئيس العتيد يحتاج الى توافق عام عليه.

وينقسم السياسيون إزاء ما سيكون عليه مصير المبادرة مع بداية السنة الجديدة بين قائلين باستمرار القيّمين عليها في الرهان على توافر الظروف الداخلية والخارجية التي تمكّنها من النفاذ، وآخرين قائلين بأنّها «إنتهت» بسبب اصطدامها بتمسّك رئيس تكتّل «التغيير والإصلاح» النائب ميشال عون بترشيحه الرئاسي مدعوماً بحلفائه المحليين والإقليميين.

كذلك يراهن القيّمون على المبادرة على ضغوط إقليمية ودولية يمكن ان تمارَس مع انطلاق السنة الجديدة لفرضها، ويقال إنّ عون يتعرّض لضغوط كبيرة في هذا السياق، ولكنّه لن ينصاع إليها لأنه يَعتبر استمرارَه في ترشيحه «مسألة حياة أو موت» بالمعنى السياسي.

ويراهن هؤلاء القيّمون على زيارة الرئيس الايراني الشيخ حسن روحاني المقرّرة لباريس نهاية الشهر المقبل كون باريس تؤيّد المبادرة بشدّة، بدليل أنّ الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند تجاوَز الاصول البروتوكولية وسارَع في الآونة الأخيرة الى الاتصال بفرنجية المرشّح وكأنّه يهنّئه بالفوز بانتخاب رئاسي قبل أن يُجرى.

ومعلوم في هذا المجال انّ باريس تبحث مع طهران في الاستحقاق الرئاسي اللبناني منذ ما قبل حصول الاتفاق النووي الشهير بين الجمهورية الإسلامية الايرانية والدول الغربية، وذلك من خلال الزيارات المتعدّدة التي كان يقوم بها الموفد الفرنسي جان فرنسوا جيرو الى العاصمة الايرانية، فضلاً عن زياراته المماثلة للمملكة العربية السعودية ولبنان منذ حصول الشغور الرئاسي في 24 أيار 2014 وحتى الآونة الاخيرة.

وقد كان آخر زائر فرنسي لإيران رئيس مجلس الشيوخ جيرار لارشيه الذي أجرى الاسبوع الماضي محادثات مع المسؤولين الايرانيين الذين التقاهم، وتناوَلت في جانب منها الأزمة اللبنانية وزيارة روحاني المقرّرة لباريس.

ويرى هؤلاء السياسيون انّه لن يكون لدى الرئيس الايراني ما يمكن ان يقدّمه لنظيره الفرنسي، إذ سيؤكد أمامه موقف بلاده المبدئي، وهو أنّ موضوع الاستحقاق الرئاسي اللبناني شأن داخليّ لا تتدخّل طهران فيه، وهي تترك للّبنانيين من حلفاء لها وغير حلفاء أن يتّخذوا الخيار الذي يرَونه مناسباً، وإنّها ستؤيّد هذا الخيار أيّاً كان.

وإلى ذلك، يَعتقد السياسيون أنفسُهم أنّ أصحاب المبادرة لم يتّخذوا أيّ قرار نهائي في شأنها بعد، فمثلما قال حلفاء فرنجية له لدى ذهابه الى اللقاء مع الحريري: «إستمِع إلى ما لديه وعُد إلينا وأطلِعنا عليه لنبنيَ على الشيء مقتضاه»، فإنّ حلفاء الحريري قالوا له أيضاً: «إطرَح هذه المبادرة مع فرنجية واستمِع إلى ردّه عليها وعُد إلينا لنرى». ولذلك فإنّ كلّ ما يحصل من تحرّكات للقيّمين على المبادرة لا تعدو كونها محاولة لإبقائها حيّة، علّها تكون أحَد الخيارات التي يمكن اعتمادها لإنجاز الاستحقاق الرئاسي.

لكنّ الواقع الإقليمي وما يُنتظر أن يشهده من تطورات متلاحقة خلال السنة الجديدة، يشير الى أنّ أيّ خطوة عملية لن تحصل في اتّجاه حلّ الأزمة اللبنانية التي يبدو أنّها ارتبطت بنحو أو آخر بالأزمة السورية، الى درجة انّ انطباعاً، بل اقتناعاً، بدأ يتكوّن في الأوساط السياسية مفادُه انّ حلّ أزمة لبنان بدءاً بانتخاب رئيس جديد لن يبدأ إلّا بعد إنجاز المرحلة الاولى من حلّ الأزمة السورية، والتي ستدوم ستة أشهر بدءاً مِن مطلع السنة الجديدة على الأقلّ. في حين انّ بعض السياسيين المتشائمين يستبعدون حصول هذا الإنجاز الدستوري قبل سنة.

ولا يَستبعد سياسيون ان تتزايد الضغوط الخارجية على عون لثنيِه عن ترشيحه، لأنّه يشكّل في رأيهم «العقبة الكأداء» في وجه «المبادرة الحريرية»، في وقتٍ يَطرح البعض التساؤل الآتي: إنّ عون وفرنجية حليفان ويَجمعهما تكتّل نيابي واحد وموقف سياسي واحد، فما الفارق بينهما عند الحريري حتى يتمّ تفضيل فرنجية على عون الذي خبرَ زعيم تيار «المستقبل» حقيقة مواقفه في «الحوار الرئاسي» الذي دار بينهما قبل بضعة أشهر وانتهى إلى فشَل؟.

ويقال إنّ بعض حلفاء فرنجية وجّهوا إليه هذا السؤال إثر عودته من اللقاء الباريسي مع الحريري، وقالوا له إنّ الأخير إذا كان يُسَلِّم بأن يكون رئيس الجمهورية العتيد من فريق 8 آذار فلماذا لا يترك لهذا الفريق حرّية اختيار هذا الرئيس بنفسه لا أن يفرضَه هو عليه، أللهمّ إلّا إذا كان يريد من ترشيح فرنجية الإيقاع بينه وبين عون، وتالياً الإيقاع بين كلّ أركان فريق 8 آذار.

لم يكن جواب فرنجية على هذا السؤال سوى أنّه لا يرى في ضوء المعطيات السائدة أنّ أمام عون فرصة للفوز برئاسة الجمهورية، وأنه لا ينبغي الانتظار لأشهر إضافية بلا جدوى، بل يجب اقتناص الفرصة وقبول مبادرة الحريري، الأمر الذي لم يحَبّذه الحلفاء، في الوقت الذي تمسّك عون بترشيحه أكثر فأكثر مراهناً على انّ «التنازل» الذي قدّمه فريق 14 آذار بترشيح فرنجية الآن، سيَدفعه لاحقاً وتحت وطأة التقدّم الميداني والديبلوماسي لـ»محور المقاومة والممانعة» على مستوى أزمات المنطقة الى تقديم مزيد من التنازلات ومنها القبول به رئيساً بدلاً من فرنجية.

وعلى هذا الأساس فإنّ عون لا يرى موجباً للاستعجال الى القبول بمبادرة تعطي فريقَه رئاسة الجمهورية في مقابل إعطاء فريق 14 آذار اليدَ الطولى في السلطة التنفيذية، خصوصاً إذا صحّ ما قيل من أنّ الحريري الذي سيتولى رئاسة الحكومة ستكون له حرية تسمية أكثرية الثلثين من أعضائها.

ربّما يكون الحريري، الراغب بشدّة للعودة الى رئاسة الحكومة، مستعجلاً لإمرار مبادرته التي لم يُعلنها رسمياً بعد، على رغم التصدّع الذي أحدثته حتى الآن في صفوف 14 آذار التي حاولت في ذكرى الوزير السابق محمد شطح إظهار أنّها «متماسكة وموحّدة»، ولكن في المقابل فإنّ فريق 8 آذار لا يبدو مستعجلاً لإنجاز الاستحقاق الرئاسي، فهو يقرأ ما تشهده المنطقة من تطورات ويُعيره الاهتمام الأكبر، أكثر ممّا يقرأ في كتاب الاستحقاق الرئاسي وما تثيره المبادرة لديه من شكوك حول أبعادها والخلفيات.