مجدداً تمّ ترحيل جلسة انتخاب رئيس للجمهورية اللبنانية إلى الثاني من حزيران المقبل، فالجلسة التي حملت الرقم 39 لم يتجاوز عدد النواب الذين حضروها إلا اثنينِ واربعينَ نائباً وهي النسبةُ الاقلُ قياساً الى الجلسات، ولا نظنّ أنّ الحال سيكون أفضل في الجلسات اللاحقة، ومن المفارقات المبكية أن يكون لبنان منخرطاً بعناوين طنّانة رنّانة وألقاب مفصّلة على قياس مرشّحي بلغ بالبعض حدّ الإطلاق على نفسه لقب «القائد» وآخر أتبع اسمه بوصف «إنه الرسالة»!!
مجدداً نقول «لا رئيس لا في 8 شباط، ولا في 14 شباط، ولا في 10 أيار ولا في 2 حزيران، لا رئيس ولا رئاسة، والأرجح أنّ خيار حزب الله هو لا جمهوريّة لبنانيّة أيضاً، خصوصاً أنّ إيران مشغولة هذه الأيام بالتحضير للثأر لقتلاها في «خان طومان» الحلبيّة، المنطقة «تهرهر» من بين يديْ المرشد علي الخامنئي، وطعم الدم الفارسي مختلف عن طعم دماء الشعب السوري، بالكاد سنستطيع إجراء انتخابات بلديّة، ومن غير المسموح إجراء انتخابات نيابيّة تحمل مجلساً لا تملك إيران أوراق تعطيله، وكفى بالتمديد معطّلاً، وكفى بمجلس الوزراء واجتماعاته وإدارته للبلاد أمثولة وعبرة!!
وبصرف النظر عن «المهرجان العجيب» لتحالفات البلدية، وبصرف النظر عن الواقع اللبناني شبه الميّت على كلّ المستويات، وبصرف النظر عن الدّور الذي يحاول أن يلعبه الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند والذي يذكّرنا بالدور الذي سعت فرنسا للعبه في العامين 1989 و1990 وذلك في ضوء انكفاء الدور الأميركي يومها، وهو أمر يتكرّر كلما انكفأت السياسة الأميركية إلى داخل البلاد، وبصرف النظر عن رسالة هولاند إلى الرئيس نبيه بري والتي يعلمه فيها أنّه ما زال يسعى لانتخاب رئيس للبنان، وفي كلّ مرّة يتمنّى هولاند لو تبيعه إيران هذا الجميل علّه يستثمره في الداخل الفرنسي لرفع شعبيّته، بصرف النظر عن كل هذه الزمن الإيراني سيبقى مقيماً بقدرة صواريخ حزب الله، وتسلّطه على اللبنانيين وعلى المنطقة، فلبنان هذا عاش عشرين عاماً من الحرب بمجلس نيابي انتخب في العام 1972 واستمر يمدّد لنفسه حتى العام 1990 وأقر تعديلات الطائف، عاش برؤساء حكومة ومن دونها يستقيلون يعتكفون يغتالون، عاش من دون رئيس للجمهورية عامين مدمّراً محطّماً ومع هذا بقي لبنان برغم كلّ ما مرّ عليه من فراعنة وفرعنة!!
بالكاد تنبّه أحد إلى أن أمس كان موعد جلسة لانتخاب الرئيس، فالقرى والمناطق والمدن منشغلة بحروبها المحليّة، حتى المخاتير لهم حروبهم وشعاراتهم، حرب الدعايات والصور والكلام الكبير وخبز الكذب المحلّي، لا يختلف الواقع البلدي والاختياري عن الواقع النيابي وبرامجه البراقة الخداعة ولا عن الواقع الحكومي وبيانات «الهرطقة» اللغوية والتلاعب عليها وبها، ولا عن واقع الأحجام الزعاماتيّة والحالات «الغنميّة» التي تقود القطعان اللبنانية من «قاطع إلى آخر»!!
يدخل الشلل الرئاسي عامه الثاني بعد أيام قليلة، وهو مرشح للاستمرار عاماً ثالثاً، في أيام سود من القرن الماضي دفع لبنان ثمن «القضية الفلسطينية» حرباً قاتلة مدمّرة ومحاولات تهجير وتغيير الديموغرافيا والهويّة، مجدداً ها هو يدفع ثمن «القضيّة العربيّة» التي ألقى تبعاتها عليه غضّ النظر العربي عن التمدّد الإيراني في لبنان، فإذا بالأفعى الإيرانية تتمدّد في المنطقة كلّها وتكاد تبتلعها، فهبّت لتحمي حدودها، وتركت لبنان رهينة بيد «الوليّ الفقيه» حتى يقضي الله أمراً كان مفعولاً…