IMLebanon

لا رئيس للجمهوريّة … والعقدة ليست مسيحيّة

يعيش الوطن اليوم مرحلة دقيقة وحساسة وخطرة : فراغ رئاسي، شلل برلماني وحكومي، فساد مستشرٍ في معظم ادارات الدولة ومؤسساتها، فراغات وتحلل في الإدارة، وضع اقتصادي مزر، بطالة ومشاكل اجتماعية لا تحصى، مشاكل بيئية اهمها مشكلة (النفايات) التي باتت تشكل تهديدا حقيقيا على صحة اللبنانيين وحياتهم… والسياسيون في بلدي لا يسمعون واذا سمعوا لا يفهمون واذا فهموا لا يعقلون واذا لا سمح الله عقلوا فسرعان ما ينسون.

كما تعيش البلاد منذ سنة ونصف أزمة رئاسة جمهورية معقدة ومتشعبة… فلا هي أزمة مسيحية، ولا هي مشكلة العماد عون والدكتور جعجع، فلا صراعهما على الرئاسة هو سبب الفراغ الحاصل، ولا اتفاقهما هو الحلّ وينهي فراغ الرئاسة.

هذا ما ينطبق ايضاً اليوم على النائب سليمان فرنجية الذي تصدّر المشهد الرئاسي ودخل بقوة على المعادلة بعدما طرح اسمه رئيس «تيار المستقبل» سعد الحريري وأيده النائب وليد جنبلاط تحت عنوان «التسوية السياسية».

مما لا شك فيه ان مبادرة سعد الحريري اخرجت الاستحقاق الرئاسي من حال الجمود والركود وخلقت دينامية سياسية لم تكن موجودة من قبل وفتحت ثغرة في جدار الأزمة. ولكن هذه المبادرة الجديّة وغير الرسمية لم تُخرج الاستحقاق الرئاسي من «عنق الزجاجة». كون الأسباب والظروف التي أوجَدت الأزمة المتدحرجة ما تزال قائمة ولم يطرأ عليها تغيير يُذكر.

لبنان ما زال في أسفل الترتيب الدولي للأولويات والملفات. والصراعات والحروب ما زالت مستعرة في المنطقة، والأزمة السورية التي لها تأثير مباشر في الوضع اللبناني رغم كل محاولات فكّ الارتباط بينهما سائرة إلى مزيد من المواجهات والتأزم والتعقيد، والعلاقة بين إيران والسعودية في أسوأ مراحلها وأدنى مستوياتها وهذا ينعكس سلباً على الداخل اللبناني عموماً وعلى علاقة حلفائهم (حزب الله وتيار المستقبل) خصوصاً.

من هنا لا بدّ لنا من القول انه من السذاجة والنفاق السياسي ان يصار إلى وضع المشكلة الرئاسية عند المسيحيين والقول ان خلافهم يطيل في أمد الفراغ الرئاسي وان اتفاقهم على مرشح واحد يضع حداً للمشكلة ويفرض انتخاب الرئيس الذي يريدون.

صحيح ان صراع الموارنة على رئاسة الجمهورية ليس طارئاً ومستجداً وانما عهدوه في كل مراحلهم وتاريخهم حتى غدا جزأً من تراثهم السياسي ومن ميزاتهم وعلاماتهم الفارقة.

لكن المشكلة الحقيقية اليوم وبصراحة متناهية، هي عند «الشيعة والسنّة» وتكمن في الصراع المحتدم ولو بشكل مغلق على السلطة والحكم. ان الصراع الدائر حصراً في الدولة وعليها وتحت سقفها، تحول إلى صراع سياسي حاد وعنيف انعكس سلباً على كل مؤسسات الدولة بدءاً من رئاسة الجمهورية, وما زاد «في الطين بلّة» وفي الوضع سوءاً انه صراع متكافىء، الحسم فيه صعب ومتعذر، و«التوازن السلبي» هو سيد الموقف واللعبة، اذ ان السنّة هم الأقوى في السلطة، والشيعة هم الأقوى على الأرض… وهذا التوازن السلبيّ هو الذي حال دون حسم معركة رئاسة الجمهورية في اي اتجاه.

هذا التوازن السلبي أدى إلى فراغ في الموقع الاول ومن بعده تعطيل الحكومة والبرلمان وهو الذي أدى ايضاً إلى طرح فكرة التسوية السياسية من قبل رئيس «تيار المستقبل» للخروج من الطريق المسدود.

واذا اردنا ان نكون صادقين مع انفسنا ومع الناس نقول انه لا يمكن في ظلّ صراع «سنيّ – شيعي» خطر في المنطقة تغذّيه مشاريع وايديولوجيات متطرفة ومخططات اسرائيلية قديمة وتاريخية… تمرير هكذا تسوية ولا يمكن ايضاً اختصار التسوية في لبنان في معادلة «فرنجية – الحريري»، حتى لو كان سليمان فرنجية مصنّفاً على لائحة المرشحين الأقوياء عند المسيحيين ومقبولاً من قوى 8 اذار.

ان انتخاب سليمان فرنجية رئيساً للجمهورية مقابل عودة الحريري إلى رئاسة الحكومة تسوية ربما تحلّ مشكلة الفراغ الرئاسي الذي يشكو منه المسيحيون، وربما تأمن للسنّة عودة زعيمهم إلى الحكم… ولكن السؤال الاكبر ماذا عن الشيعة وماذا تعطيهم هذه التسوية وهل تساهم في طمأنتهم وتلبي تطلعاتهم او هل تساهم في وأد الصراع «السني – الشيعي» واحتوائه؟

الشيعة في لبنان أقوياء لا بل هم الأقوى وقوتهم اليوم تستند إلى عوامل ظرفية وبالتحديد إلى عاملين أساسيين هما: «حزب الله» وسلاحه الذي اعطاه دوراً وحجماً تجاوزا الساحة اللبنانية، والرئيس نبيه بري الذي يتربع على رئاسة مجلس النواب ويتحكم عبرها بمسار اللعبة وقواعدها وبفعل ما يمتلكه من مهارة وحنكة وقدرات شخصية. ورغم هذه «القوة» فان الشيعة يقولون في مجالسهم الخاصة وحتى العامة انهم واجهوا صعوبات كثيرة في الحكم بعد خروج الوصاية من لبنان وهم بالكاد استطاعوا فرض وجودهم وتأثيرهم فقد كانوا يملكون حق الفيتو والقدرة على الرفض أكثر مما كان يملكون حق التقرير والمشاركة في الحكم… ويضيفون : يبقى السؤال ماذا للسنوات المقبلة وعنها؟ ومن يضمن استمرار الشيعة على ما هم عليه من نفوذ ودور فاعل ومؤثر… وماذا لو لم يعد نبيه بري رئيساً للمجلس النيابي وماذا لو حملت «تسوية» ما حزب الله على تسليم سلاحه خلال السنوات المقبلة ؟ وماذا يبقى للشيعة من ضمانة وحماية؟ وغيرها من الاسئلة التي يعرفها السياسيون في لبنان .

– اذن هنا تكمن المشكلة وهذا هو جوهر الصراع في لبنان.

الشيعة لا يرتضون تسوية مبتورة ومجتزأة وانما ينادون بالتسوية الشاملة التي تعطيهم ضمانات عملية ومشاركة في الحكم. وفي أساس هذه التسوية وهذه الضمانات «قانون الانتخاب» الذي يحدّد الاحجام والأوزان وهوية من يحكم لبنان لسنوات وعقود.

المشكلة لم تكن اذن عند عون وجعجع ولا اليوم عند فرنجية ولا تتعلق بالمفاضلة بينهم، حتى يُصار الى التلطّي وراءهم والتذرّع بخلافاتهم وانقساماتهم لتبرير الفراغ الرئاسي واستمراره. لذلك على المسيحيين اليوم ان يكونوا واعين الى هذا الامر وان لا يدخلوا في سجالات عقيمة لا تقدم ولا تؤخر لانهم غير معنيين في هذا الصراع وهو اكبر منهم، وان يلتفتوا الى عمق الأمور لا الى ظاهرها والى لبّ وجوهر المشكلة لا الى قشورها ويوحدوا كلمتهم ويصبّوا اهتمامهم على قانون الانتخاب اذا ارادوا ان يكونوا فاعلين ومشاركين في السلطة والقرار اللبناني… كون قانون الانتخاب هو اساس كل علة وشرط اول لكل تصحيح وتصويب في واقع الغبن والتهميش الذي يعيشه المسيحيون منذ عام 1992 وحتى اليوم.

في الختام ان الأزمة في لبنان ليست أزمة رئاسة وانما أزمة جمهورية وازمة نظام وصراع على تقاسم السلطة. قلتها منذ سنتين ونيف واعيدها اليوم وبصيغة اوضح: « اخشى ما اخشاه ان يكون ميشال سليمان آخر رئيس لجمهورية الطائف»…