تجمع الآراء والتحاليل على ان الايام الخمسة الفاصلة عن الـ21 من الشهر، مصيرية في تقرير وجهة معركة الرئاسة وحظوظ العماد ميشال عون، مع سفر رئيس المجلس نبيه بري الى سويسرا على ان يعود قبل ثلاثة ايام من موعد الجلسة 46، فيما يضج الوسطان السياسي والاعلامي بمعلومات متفاوتة الى درجة التناقض حول مصير المسعى الذي يخوضه الرئيس سعد الحريري، والاجواء المعقدة والضبابية التي تحيط به، وسط مخاوف ترجمتها تغريدات وليد جنبلاط «المبهمة» التي تحتاج الى مبصر مغربي لفكها.
مصدر مطلع على كواليس البيت الازرق الداخلي اشار الى ان الحريري سيعقد فور عودته الى بيروت اجتماعين اساسيين قبل اعلان موقفه الذي سيكون في صيغة كشف مضمون اتصالاته وما توصلت اليه والذي لن يكون رفضا ولا قبولا، على ان يحصل ذلك الاسبوع المقبل، بعد محطة اجتماع كتلة المستقبل التي ستجري تصويتا نهائيا على خيار سحب الدعم من ترشيح فرنجية، يسبق ذلك لقاء مع الكوادر الاساسية وقيادة المستقبل للاطلاع على اجواء التقارير الواردة من المناطق، والتي تشير المصادر الى انها سلبية على الصعيد الشعبي، وان التريث في اتخاذ خطوة الاعلان عن دعم عون سيزيد «الطين بلة» شعبيا في الشارع السني، كاشفة انه في حال اعلان تبني ترشيح عون فان الشيخ سعد سيكون صريحا في تأكيده عدم استعداده لخوض معركة الجنرال سياسيا، ما يعني عمليا ان تلك الخطوة لن تكون كافية لحسم الانتقال من الرابية الى بعبدا.
واكد المصدر في هذا الخصوص ان الانتخابات الرئاسية لن تُنجز في القريب العاجل ولو كسب العماد عون تأييد الحريري، ذلك أن حارة حريك لا ترغب بملء الشغور في المرحلة الراهنة، من هنا كانت الاصوات التي برزت من فريق الثامن من آذار في الساعات الماضية متحدثة عن رفض لعودة الحريري الى السراي وعن شروط «تعجيزية» للقبول بتسلمه رئاسة الحكومة كأن يسلّم بثلاثية «الجيش والشعب والمقاومة» ويعطي هذه القوى الثلث المعطل، في خانة العقبات التي يضعها الحزب على طريق الاستحقاق على حدّ قول المصدر، وكان أول تجلياتها تمسّك عين التينة بسلة التفاهمات الشاملة، في توزيع مدروس للادوار بهدف ابقاء الشغور قائما على الارجح الى ما بعد الانتخابات الرئاسية الاميركية، بمباركة ايرانية.
وفي هذا السياق، رأى المصدر ان بحثا موازيا يشهده تيار المستقبل يتمثل باقدام «الازرق» على قلب الطاولة فوق رؤوس الجميع،من خلال الانسحاب من الحكومة ووقف الحوار الثنائي مع حزب الله، مستبقا تطبيق الثنائي المسيحي لخطته في النزول الى الشارع وصولا الى الاستقالة من المجلس النيابي لخلق امر واقع يفرض اجراء انتخابات نيابية مبكرة يكون «المستقبل» اول ضحاياها وفقا لقانون الستين.
مواقف تتقاطع مع ما تؤكده اوساط دبلوماسية غربية، كشفت ان الحريري لا يزال اللاعب الداخلي الأقوى تأثيراً في اللعبة السياسية رغم كل ما يحيطه من أوضاع خاصة صعبة، سواء في أزمته المالية او في مواجهته لتنامي الرفض داخل كتلته وفي الشارع السني لخيار انتخاب عون، مشيدة بنجاحه تجنّب الأخطاء التي ارتكبها لدى اعتماده خيار ترشيح بيك زغرتا بشكل متفرّد قبل التشاور مع القيادات السياسية المعنية، اذ لم يعلن حتى اللحظة اعتماده ترشيح عون مبقيا كل الخيارات مفتوحة، مع التلويح بقوّة الى اتجاهه نحو خيار الجنرال الذي يمكن ان ترسو عليه حركته، واضعا بذلك القوى الداخلية امام ساعة الحقيقة ،كاشفا النيات الحقيقية من خلال إرغامها على إخراج ما لديها من اتجاهاتٍ ومواقف لا بد لها من تحديدها بسرعة، سواء كانت مع خيار عون او ضده او كانت لديها خيارات أخرى بديلة، الامر الذي يتوجس منه العماد عون، خصوصا بعد اعلان سليمان فرنجية استمراره في المعركة حتى النهاية ولو بقي معه نائب واحد، ما يجعل من نزول العماد عون الى جلسة 31 تشرين الحالي امرا شبه مستحيل خوفا من مفاجأة قد تطيح بالتسوية المنتظرة، علما ان ايا من الحريري او جنبلاط لم يتعهد حتى الساعة «بفرض» التصويت للجنرال على اعضاء كتلته.
اذاً الايام القليلة المقبلة ستحدد بوصلة الرياح الرئاسية، فإما ان يتوج الاتفاق بانتخابات ينتظرها الجميع او تعود الامور الى مربع التعطيل، وهو الخيار الاكثر ترجيحا حتى الساعة، في ضوء رفض جهات اساسية ولاعبين كبار على المسرح الداخلي عقد صفقات ونسج تفاهمات بين قوى سياسية معينة، اعتقادا منها انها قادرة على التحكم بهوية الرئيس. كما ان تبسيط الازمة بعد عامين ونصف العام من الفراغ الى هذه الدرجة لا يمكن ان ينتج الحل، اذ وفي خضم تغييرات جغرافية تطال دول المنطقة وتعيد رسم خرائطها «يتلهى» اللاعبون السياسيون في لبنان بتبديل اسماء المرشحين للرئاسة، لكن الثابت والاكيد ان الباب أقفل على لائحة مرشحي بكركي الاربعة ولا يمكن للبنان ان يحظى برئيس الا على مستوى الظرف الاقليمي، وخلاف ذلك سيكون كارثيا، «لأن الايام المقبلة سيئة على لبنان ويجب ان يكون هناك حكم قائم» ،على ما يجزم به مصدر دبلوماسي غربي.