IMLebanon

لا انتخابات رئاسيّة فيها غالب ومغلوب بل رئيس توافقي مراعاة لدقّة المرحلة

ماذا يحصل لو أن الدكتور سمير جعجع قرّر تأييد ترشيح العماد ميشال عون منافساً للمرشّح النائب سليمان فرنجيه؟

هذا السؤال تختلف الأجوبة عنه باختلاف الجهة والمصدر. ثمة من يقول إن الرئيس نبيه بري قد لا يدعو الى عقد جلسة للانتخاب تجنّباً لمواجهة هذا التنافس الحاد الذي ينعكس خلافاً وانقساماً داخل أكثر من كتلة، عدا ان الظروف الداخلية والإقليمية قد لا تسمح بمعركة “كسر عضم” تنتهي بغالب ومغلوب وتجعل الرئيس المنتخب عاجزاً عن الحكم بدءاً بتشكيل أول حكومة والاتفاق على بيانها الوزاري وسط انقسام داخلي بين محورين متصارعين سعودي وإيراني، وثمة من يقول إن الجلسة إذا ما انعقدت لانتخاب أحد المرشّحين عون وفرنجيه فإن أيّاً منهما قد لا يستطيع الحصول على أصوات الأكثرية النيابيّة المطلوبة أي 65 صوتاً ومن الصعب على كل منهما إجراء عملية حسابية دقيقة للأصوات باعتبار أن أكثر من نائب في كل كتلة قد يؤيّد فرنجيه أو يؤيّد عون لعلاقة شخصية أو مناطقية، لأن المعركة بينهما لا تدور بين خطّين سياسيّين كي يعرف موقف كل كتلة، انما تدور بين مرشّحين من خط سياسي واحد فيصبح موقف الكتل والأحزاب واضحاً ولا تضيع بمن يلقي أوراقاً بيضاء في صندوق الاقتراع وتتعذّر معرفة معظمهم، عدا أن نواباً قد يعدون هذا المرشّح أو ذاك، وعند الاقتراع يغيّرون موقفهم ولا أحد يعرف لمن صوتوا أو من منهم ألقى ورقة بيضاء في صندوق الاقتراع. وثمة من يقول إنّ أيّاً من المرشحين فرنجيه وعون قد لا يغامر بحضور جلسة مكتملة النصاب قبل أن يتأكّد من فوزه، خصوصاً إذا حضر عنصر المال وقلب كل الحسابات، أو كانت المفاجأة انتخاب مرشّح ثالث يصير الاتفاق عليه خلف الكواليس والأبواب المغلقة، وهي مفاجأة قد تكون لها ردود فعل سلبية شديدة عند كل من فريق فرنجيه وفريق عون تجعل المرشّح الثالث الذي فاجأ الجميع بفوزه غير قادر على الحكم.

لذلك يرى بعض المراقبين انه لا بد من التفاهم داخلياً واقليمياً ودولياً على مرشّح توافقي يفوز بشبه اجماع، وهذا التوافق من شأنه أن يسهّل أمامه طريق الحكم كما يسهّل تشكيل الحكومة وإقرار قانون عادل ومتوازن تجرى الانتخابات النيابية المقبلة على أساسه، ولا تخاض معركة الانتخابات الرئاسية حتى بين مرشّحين مستقلّين لئلا تجعل نتائجها فريقاً غالباً وفريقاً مغلوباً، وهذا ما لا يتحمّله الوضع الدقيق في لبنان ولا الوضع الأكثر دقّة في المنطقة. والتفاهم على مرشّح توافقي يفوز بشبه اجماع يحتاج إلى أن تكون الأزمة السوريّة قد دخلت مرحلة الحل لتطمئن إيران، والأزمة اليمنية دخلت أيضاً مرحلة الحل لتطمئن السعودية، وقد يكون هذا ما جعل الرئيس بري يقول أن الرئاسة الأولى أصبحت في الثلاّجة ولا بد في خلال مرحلة الانتظار من تفعيل عمل الحكومة وعمل مجلس النواب.

إن حصر التنافس بين عون وفرنجيه على رئاسة الجمهورية يجعله تنافساً بين شخصين وليس بين خطّين سياسيّين بحيث أن فوز أي منهما يشكّل انتصاراً للخط السياسي الإيراني وهو ما لا يريده خصوم هذا الخط في الداخل اللبناني وفي خارجه، وهو مرفوض منهم بصرف النظر عن العلاقة بأي شخص منهما.

يقول سياسي مخضرم ان كل انتخاب يتنافس فيه أقوياء ينتهي بالاتفاق على مرشّح تسوية أو مرشّح توافق، وهو ما حصل غير مرّة في الانتخابات الرئاسيّة ففضّلت الأكثرية النيابيّة، مثلاً، شارل حلو رئيساً للجمهورية على العميد ريمون إده وهو الأقوى، وفضّل الزعماء في جبل لبنان أن يأتي رئيس من الجنوب أو من البقاع أو من الشمال كي لا تتأثّر زعاماتهم بمجيء رئيس من الجبل فيضعفها. وقد كان هذا من أسباب عدم اتفاق أركان “الحلف الثلاثي” (شمعون – الجميل – إده) على مرشّح واحد منهم، وهو الآن من أسباب عدم اتفاق الأقطاب الموارنة الأربعة على مرشّح منهم أيضاً، فكان شبه اتفاق على فرنجيه لأنه من الشمال وليس من الجبل.

وما يحصل في الانتخابات الرئاسيّة بين أقوياء يحصل أيضاً في انتخابات البطاركة الموارنة، إذ عندما تعذّر الاتفاق على مرشّح قوي منهم كان الاتفاق على مرشّح تسوية أو توافق مثل البطريرك عريضة، والبطريرك خريش، ولم ينتخب المطران المعوشي القوي بطريركياً إلا بشبه تعيين من الفاتيكان.

يبقى أن أهم ما في معركة الانتخابات الرئاسية، وتجنّباً لمواجهة لعبة التعطيل بإفقاد النصاب عند كل استحقاق، أن تتّخذ هيئة مكتب المجلس أو مجلس النواب قراراً بجعل حضور النواب جلسة انتخاب الرئيس إلزامياً لإفساد هذه اللعبة التي قد تتكرّر في كل انتخاب رئاسي، والأهم أيضاً أن تفهم القوى السياسية الأساسية في البلاد أن لا انتخاب لرئيس يكون بانتخابه غالب ومغلوب، لا داخلياً ولا عربياً واقليمياً، وسيبقى رئيس لبنان غير منظور إلى أن تُعيد إيران النظر في موقفها من الوضع في لبنان بعدما أصبح فاقد الوزن بسبب انقسامه الداخلي الحاد.