Site icon IMLebanon

لا عودة للفلسطينيين إلا بإقامة دولة لهم ولا عودة للسوريين إلا إذا انتهت الحرب

عندما لجأ الفلسطينيون بأعداد كبيرة الى لبنان، لم تهتم السلطات اللبنانية بتوزيعهم بينها وبين سوريا ظناً منها أنه لا بد من أن يعودوا الى ديارهم من خلال التوصل الى حل لقضيتهم. لكن هذا اللجوء مضى عليه حتى الآن أكثر من 60 سنة ولم يتم التوصل الى هذا الحل، وظل الشعار المرفوع هو شعار “العودة الى الوطن”، وإذ لا وطن ولا دولة على رغم اجراء عدد لا يحصى من المفاوضات الاسرائيلية – الفلسطينية، وعلى رغم عقد اتفاقات أهمها اتفاق أوسلو، وعلى رغم تلك القرارات التي صدرت عن مجلس الأمن حول القضية الفلسطينية. وكان لا بد من أجل تخفيف أعباء اللجوء الفلسطيني عن لبنان إنشاء “وكالة غوث للاجئين الفلسطينيين”، ولا أحد يعرف متى تتوقف عن تقديم المساعدات فتنفجر مشكلة اجتماعية في لنبان تهدد كيانه. ولم يكتف اللاجئون الفلسطينيون بمساعدات وكالة الغوث بل راحوا بعد طول إقامة في لبنان يطالبون بحقهم في العمل في كل المجالات حتى في المهن الحرة، وراحوا مع الوقت يشكلون جزءاً من السياسة الداخلية وورقة مؤثرة في الانتخابات النيابية بانحيازهم الى هذا الفريق اللبناني او ذاك. وقد بلغت مراحل اندماجهم في المجتمع اللبناني مع الجيل الثاني والثالث الفلسطيني في لبنان حدَّ تحويل المخيمات معسكرات وثكناً تتكدس فيها الأسلحة من مختلف العيارات، وراح هذا السلاح يعتدي على المواطنين وعلى سلطة الدولة وسيادتها. ولم يحل ما سمّي “اتفاق القاهرة” دون حصول حرب لبنانية – فلسطينية تحوّلت حرب الآخرين على أرض لبنان ودامت 15 سنة… وعندما لم تتحقق عودة اللاجئين الفلسطينيين الى ديارهم اتفق اللبنانيون على ان يدرج في مقدمة دستور الطائف النص الآتي:

“أرض لبنان أرض واحدة لكل اللبنانيين. فلكل لبناني الحق في الإقامة على أي جزء منها والتمتع به في ظل سيادة القانون، فلا فرز للشعب على أساس أي انتماء كان، ولا تجزئة ولا تقسيم ولا توطين”. فهل يكفي هذا النص الدستوري لحماية لبنان من التجزئة والتقسيم والتوطين اذا لم يحصل الفلسطينيون على وطن ودولة فيصبح التوطين عندئذ امراً واقعاً وبديلاً من الوطن؟ والسؤال الذي يطرح ولا جواب عنه هو: الى أين عودة الفلسطينيين ولا أرض لهم ولا ديار بعد أن تكون إسرائيل قد استكملت قضمها ببناء مستوطنات عليها، ولا مجتمع دولي يعيد الحق المشروع الى أصحابه ويقيم ولو شبه دولة للفلسطينيين تكون قابلة للحياة؟

إن الشعب اللبناني عندما تمر أمامه صورة اللجوء السوري بكل مراحله، يتذكر الصورة نفسها مع اللجوء الفلسطيني ويخشى إذا طال على أرضه وتعذّر التوصل الى حل للوضع في سوريا أن يواجه مشكلة التوطين السوري كما يواجه مشكلة التوطين الفلسطيني.

إن لبنان يسعى الآن جاهداً الى الحصول على مساعدات للاجئين السوريين اليه، وهي مساعدات لم يحصل إلا على القليل القليل منها، ولا أحد يعرف ماذا يحل بلبنان اذا تقلصت هذه المساعدات أو توقفت، عدا أن ما يثير التساؤلات في المساعدة التي تقررت في مؤتمر لندن وبلغت ما يقارب 11 مليار دولار، هو تحديد مدتها حتى سنة 2020، وكأن لا حل للوضع في سوريا في الأمد القريب فتصبح عودة اللاجئين اليها شبيهة، لا سمح الله، بعودة اللاجئين الفلسطينيين. فالحرب في سوريا، حتى اذا انتهت، فإن إعادة إعمار ما تهدم فيها وإعادة بناء المنازل المدمرة تحتاج الى وقت.

لقد أقام المجتمع الدولي دولة لإسرائيل على أرض فلسطين ليحل قضية غير محقة على حساب قضية محقة، وبات يخشى أن يحل هذا المجتمع المشكلة السورية على حساب اللاجئين السوريين بتقسيمها، وربما على حساب لبنان، ولا يعود ينفع الاعتراض والاحتجاج بشتى الوسائل كما اعترض على توطين اللاجئين الفلسطيين بنص في مقدمة الدستور يربط حصول هذا التوطين بتجزئة لبنان وتقسيمه… فما همَّ إسرائيل إذا حصل ذلك؟!