هل يوجب التعطيل الزاحف بقوة أكبر في اتجاه مجلس الوزراء مزيداً من القلق بعد الفشل في إرضاء العماد ميشال عون بالتعيينات الأمنية وبعد جلسة يتيمة مرتقبة حول اطلاق تنفيذ خطة النفايات التي اعدها النائب اكرم شهيب يحضرها “حزب الله” فقط دون حليفه العوني، أم ان جلسات الحوار التي يرعاها رئيس مجلس النواب نبيه بري في عين التينة على المستوى الثنائي بين تيار المستقبل والحزب واحتمال استكمال جلسات الحوار الجماعية ستبقى تلجم انهيار الوضع؟
مع ان مجلس النواب ينبغي ان يفتح أبوابه في دورة عادية خلال هذا الشهر في موازاة اقفال ابواب الحكومة ما يفترض ان يعني ان مؤسسات الدولة لم تتعطل على نحو كلي الواحدة بعد الأخرى، فانه من غير المرجح ان يستطيع المجلس ان يشرع بناء على اشتراطات سابقة تمنع عمله في الواقع. وقد يبرز سبب آخر بان تعطيل الحكومة ورئاستها “السنية” وفق ما بات يخشى كثر قد لا يسمح بهامش عمل للرئاسة ” الشيعية ” لمجلس النواب. هكذا بات الكلام في ظل المخاوف التي ترسمها المواقف السياسية التي لا تخلو من عدائية كبيرة على رغم التواصل المتقطع. وهذا يعني سياسياً ان لا مؤسسات دستورية ستعمل في البلد وهي ستبقى قائمة شكلاً ليس الا في اطار عملية لي أذرع وضغوط من اجل فرض أجندة سياسية مختلفة في البلد، لكن من دون ان تعمل الحكومة بل ابقائها قائمة احتياطاً علّ البلد يحتاج الى مخرج ما في وقت ما بحيث لن يخاطر أحد بتطيير الحكومة او تحويلها الى حكومة تصريف أعمال وظل لعدم رغبة اشد المعترضين على عمل الحكومة في الاستقالة حفاظاً على مصالحهم واستمراراً لادارتهم هذه المصالح باستقلالية اكبر بعيداً من أي رقابة من مجلس الوزراء وفق ما تجري الامور عملياً. ولا خجل في ذلك ما دام زعيم التيار العوني يلمح الى ان كل وزير صار رئيس جمهورية في وزارته.
الفراغ المؤسساتي يفتح الأبواب في البلد على المجهول ليس أقله الدفع في اتجاه اعادة صياغة هذه المؤسسات على أسس أخرى وفق ما يتم التلويح به تحت عناوين مختلفة أكان اجراء انتخابات نيابية تسبق انتخاب رئيس الجمهورية او تحصيل اثمان مقابل التراجع عن ذلك وقد حلت هذه الشروط كبديل غير مباشر عن المطالبة بمؤتمر تأسيسي ويتولاها في العلن ويحارب من اجلها فريق مسيحي. في المدى الاقرب، يزداد القلق من تبعات ذلك في الدرجة الأولى على ادارة شؤون الناس وتأمينها بالحد الادنى على رغم ما ينال موقع لبنان ومصالحه من ضرر كبير نتيجة التعطيل على المستويين الداخلي والخارجي. لكن الهاجس الأكبر يظل الهاجس الامني والخوف على الاستقرار.وهذا لا يمكن استبعاده في ظل ما يحوط بالبلد من تحديات ومخاطر وقد كانت العبوة الأخيرة التي انفجرت في شتورا مستهدفة “حزب الله” مؤشراً ولو انه تم التعتيم عليها. والوضع الامني الذي قد يتعرض للاهتزاز هو أمر قد يعطي للمفارقة قائد الجيش العماد جان قهوجي، الذي سجل عون اعتراضات على التمديد له متذرعاً بان استمراره في القيادة غير قانوني، حرية اكبر لاتخاذ القرارات التي من شأنها ان تنقذ البلد في ظل تعطيل الغطاء السياسي وصاحب الامرة السياسية على الجيش في حين ان المخاطر التي تحوط بلبنان لا تسمح له بترف تعطيل المؤسسات الدستورية على النحو الحاصل. ففي ظل شغور موقع رئاسة الجمهورية فان الموقع الابرز للطائفة المارونية في السلطة هو موقع قيادة الجيش وليس اي وزير او رئيس حزب مهما بلغت نسبة تمثيله خصوصاً متى كانت اداته للتعبير عن قوته الدستورية في الحكومة او في مجلس النواب معطلة ولا يتم استخدامها طوعاً نتيجة سياسة تعطيل معتمدة في هذا الاطار. وللمفارقة ايضا فانه في حال استمرار مجلس الوزراء فاعلا فان السلطة التنفيذية تظل هي المسؤولة عن تحرك الجيش بالتشاور والتنسيق مع قيادته ما دامت ايضاً تنوب عن رئيس الجمهورية في حين ان غياب السلطتين اي رئيس الجمهورية وتعطيل الحكومة من شأنه ان يفتح ابواباً أخرى على مجهول معلوم في الوقت نفسه. وفي رأي المصادر نفسها فانه من غير المرجح ان ينجح السياسيون اللبنانيون الدافعون خصوصاً في هذا الاتجاه في الضغط على الخارج من اجل تغيير أولويته وتالياً الالتفات الى لبنان عبر الضغط على سياسييه. فرئيس الحكومة تمام سلام العائد منذ بعض الوقت من لقاءات مهمة في نيويورك لمس ذلك لمس اليد. فحتى الآن الاستنقاع السياسي الذي يعيشه لبنان غير مهم بل هو فقط الاستقرار الامني والسياسي نسبياً من دون هزات كبيرة. وعلى غير ما اثار التدخل العسكري السوري من اجل منع انهيار بشار الاسد الحماسة لدى البعض من احتمال ترجيح كفة الحرب لمصلحة فريق اقليمي وتالياً ترجمة ذلك في لبنان وفق بعض التطلعات، فان هذه المصادر تخشى ان الاهداف الروسية في سوريا قد لا تنسحب على لبنان لاعتبارات متعددة خصوصاً متى ادرج هذا التدخل في اطار الحرب المذهبية القائمة في المنطقة.
واكثر من ذلك فان المخاوف كبيرة في اتجاهات متعددة من استخدام لبنان ساحة لايصال رسائل محددة في حال لم تعد تكفي الساحات الاخرى او لاضافة لبنان الى هذه الساحات او ايضاً لانتقامات كبديل عن الساحات الاخرى.