IMLebanon

ما من «لحظة روسية» لبنانياً إلا في الخطابة

من التشبيح الخطابي توهّم «لحظة روسية» لبنانياً، تشكّل امتداداً للتدخل الجوي الروسي سورياً.

لا شكّ بأن التطوّرات الراهنة في سوريا ستعيد الشأن الاقليمي الى مركز الضوء في المتابعة السياسية والاعلامية الداخلية، الا أنّ هذا شيء يختلف تماماً عن حصول «لحظة روسية» لبنانياً.

التصدّع في التركيبة الحكومية وعرقلتها سيتواصل. المد والجزر في الشارع على خلفية مطلبية أو احتجاجية لن ينقطع. الهاجسان الأمني والديموغرافي على خلفية التطورات السورية سيتم التركيز عليهما مجدداً بقوة أكبر. لكن في المحصلة العامة، ليس ثمة ما يوحي بأنّ الشغور الرئاسي، أو «الستاتوكو الشغوري العام» سيشهدان أي تغيير في الأشهر المقبلة.

الثرثرة حول الانتقال من عالم أحادي القطب الى عالم متعدد الاقطاب ستجد أمامها مادة دعائية تستهلكها لقسط من الوقت، وستستفيد بالطبع من الأخطاء الكارثية لادارة الرئيس باراك اوباما في السياسة الخارجية. لكن من هنا للايحاء مثلاً بأننا نعيش عصر تحول موسكو الى مرجعية للحل والربط في المشرق، بما فيه لبنان، مسافة كبيرة. لبنانياً، هناك عدد من الدول التي تؤثر عن كثب في الوضع الداخلي. روسيا لا تأتي بين أول خمسة.

بالتوازي، تجديد دعم احرار المجتمع اللبناني لثورة السوريين هي في امر اليوم. التنديد بالتدخل الروسي الذي يعمل على انقاذ نظام ال الاسد كذلك. وبالتوازي: ضرورة استهجان السياسات الكارثية لادارة اوباما، بما في ذلك هذه الحرب اللابرية غير المجدية ضد تنظيم الدولة الاسلامية، بل التي مكنته من مواصلة بناء كيانيته.

في الوقت نفسه: التدخل الروسي ينبغي ان يندد به بتعطيل أي حرف للموضوع عن اطاره. ليس الموضوع حرباً دينياً بين الارثوذكسية والاسلام، وكل ايحاء بهذا الامر ينبغي دحضه رأساً. ليس الموضوع حرباً تنويرية يقودها المعسكر التقدمي ضد القوى الرجعية. اي انزلاق لمثل هذا الدرك جدير بالفضح السريع. هناك قوة روسية جريحة بسبب خسارتها للمجد السوفياتي التي بادر الروس بأنفسهم للتحرر من ثقله، وقوة روسية تصرف معها الغرب بقيادة الولايات المتحدة بصلف وهجومية لسنوات بعد نهاية الحرب الباردة. ولا بد من استيعاب هذا الشيء، تماماً كما يجدر استيعاب ما تعرضت له المانيا من مهانة وضيم بعد الحرب العالمية الاولى. الا ان ذلك لا يعني على وجه الاطلاق تبرير ان تحل روسيا أزمة ثقتها بنفسها على حساب الشعب السوري، ولصالح نظام دموي، بل فعلياً الآن لصالح تنظيم الدولة الاسلامية ان هي اختارت استهداف الفصائل السورية المعارضة. فاذا كانت الايام الاولى من التدخل الروسي الجوي هي العينة عن وجهة هذا التدخل في الاسابيع التالية، فهذا يعني ان موسكو اختارت تمكين «داعش» والتعويل على قطبية ثنائية في سوريا، «داعش» من ناحية، و»البعث» الفئوي الدموي من ناحية ثانية.

خطاب الممانعة سيطيب له في هذا الموسم الحديث المبتذل عن عودة القيصرية والشيوعية والقوزاق والجيش الأحمر، كما لو ان آلة القتل التي جرّدها النظام الأسدي ضد الشعب السورية على امتداد السنوات «صنعت في القرداحة» وليس في المصانع السوفياتية ثم الروسية.

لهذا الخطاب ان يتسلى ويتبختر بما شاء من شعارات اليسار المتطرف واليمين المتطرف الروسيين؛ في المقابل لا وقت لاضاعته بالانفعالية. حرب التدخل الروسي في سوريا تعمّق المسار الكارثي للأمور فيها، لكن من خارج البحث تماماً ان يعود نظام محتضر بهذا الشكل الدموي فيقف على رجليه، ومن خارج البحث اكثر ان يكون هناك امكانية استفادة قوى الممانعة في الداخل اللبناني من هذه «اللحظة الروسية» المزعومة، باستثناء الصخب الخطابي بشأنها، والذي ينبغي تفادي الانجرار من وراءه الى منطق «حرب مقدسة في مواجهة اخرى»، او الى «الروسوفوبيا» بأشكالها المحتقنة. لا داعي للاحتقان، أسابيع قليلة ويستفيق الروس على انهم دخلوا في مأزق جديد، مثلهم في ذلك مثل كل القوى الاجنبية المتدخلة في الحرب السورية، او التي تشن حروبها ضد تنظيم «الدولة الاسلامية«.