امتداد حرب الصراع على النفوذ الى اليمن ببعدها المذهبي يثير أسئلة كثيرة منها: هل تتحول حرباً شاملة في المنطقة لا تنتهي إلا بقيام “شرق أوسط جديد”، أو باتفاق يكون بديلاً من “سايكس – بيكو”، أو بتقسيم يقيم دولاً مذهبية وعرقية وهو ما تسعى اليه اسرائيل من زمان؟ هل يكون لهذه الحرب تاثير على المفاوضات النووية سلباً أو إيجاباً، وكذلك على الحوارات الجارية في لبنان فتؤخّر أو تعجّل في انتخاب رئيس للجمهورية؟ هل يضطر مجلس الأمن الدولي الى التدخّل ليفرض حلاً سياسيا لكل الأزمات في دول المنطقة لا أن يأتي هذا الحلّ بعد دمار شامل؟
الواقع أن الوزير الشهيد محمد شطح كان قد أدرك دور إيران عندما اقترح توجيه رسالة مفتوحة الى الرئيس الايراني باسم قوى 14 آذار توصّلاً الى حلّ مشكلة سلاح “حزب الله” بعدما تعذّر أيجاد حل لها لبنانياً، وهو ما يتطلب العودة الآن الى إيران لحل أزمة الانتخابات الرئاسية في لبنان لأن القرار هو عندها وليس في أي مكان آخر، ما جعل الدكتور سمير جعجع يقول في تصريح: “إن ما يعوق قيام الدولة في لبنان بشكل فعلي هو وجود “حزب الله” كدويلة داخل الدولة، وإن سبب الشغور الرئاسي هو القرار الايراني ووجوب قبول مرشحهم”.
لذلك، فلا لقاءات بكركي ولا نداءات مجالس المطارنة الموارنة، ولا دعوة مجلس الأمن ولا دعوة سفراء الدول الشقيقة والصديقة، ولا قمة روحية تغير موقف “حزب الله” ولا موقف العماد ميشال عون من الانتخابات الرئاسية، بدليل انه مرت عشرة أشهر على الشغور الرئاسي ولم يتغير هذا الموقف، لأن لا احد يغيره سوى إيران. والسؤال هو: متى تتخذ ايران القرار؟ هل بعد التوصل الى اتفاق على الملف النووي، أم بعد معرفة نتائج الحرب في اليمن بعدما كانت تنتظر نتائج الحرب في العراق وسوريا؟
إن دقة الوضع وخطورته، سياسياً وأمنياً واقتصادياً في لبنان، لم تعد تحتمل التأخير، وبات لا بد من انتخاب رئيس يدير هذا الوضع بحكمة مع حكومة جديدة منسجمة ومتجانسة يسهل عليها اتخاذ القرارات المهمة بعيداً من المشاحنات والمناكفات لتكون منتجة، وليس كما هو حاصل حالياً مع حكومة التناقضات، بحيث صار اللبنانيون يضعون أيديهم على قلوبهم كلما انعقد مجلس الوزراء خوفاً من انفجار الحكومة.
لقد دعت الادارة الأميركية الى اعتماد سياسة تفصل لبنان عن الصراع في سوريا، فهل تساعد ايران على اعتماد هذه السياسة اذا كانت تريد فعلاً الخير والأمن والاستقرار له، أم انها تريد أن يكون جزءاً من الصراع على النفوذ في المنطقة بعدما أعلنت أن نفوذها يمتد اليه، وهي التي جعلت “حزب الله” يخالف سياسة النأي بالنفس المترجمة لـ”اعلان بعبدا”، وان يتدخل عسكرياً في سوريا لمساندة نظام الرئيس بشار الأسد عندما شعرت إيران بأنه أوشك على السقوط؟
لذلك، فلا خلاص للبنان إلا باتفاق أميركي – إيراني على ابقائه خارج صراعات المحاور لأنه الدولة الوحيدة في المنطقة رئيسها مسيحي، وهذا من شأنه ان يحد من هجرة أو تهجير المسيحيين منها ويجعل لبنان واحة للراحة والاستراحة. وعلى من يريد أن يسبح في بحر النفوذ فأمامه المنطقة وترك لبنان بحيرة هادئة نظراً الى دقة تركيبته السياسية والمذهبية التي لا تسمح له بالانحياز الى هذا المحور أو ذاك، وهو انحياز جعل اللبنانيين ينقسمون على أنفسهم ويتحاربون ويدفعون الثمن غالياً بشراً وحجرا. ففي العام 1943 انقسموا بين من هم مع فرنسا ومن هم مع بريطانيا ولم يلتزموا مبدأ “لا شرق ولا غرب” الذي ورد في “ميثاق 43” غير المكتوب، وانقسموا أيضاً بين من هم مع “التيار الناصري” ومن هم ضده، وبين من هم مع السلاح الفلسطيني في لبنان ومن هم ضده، وبين من هم مع بقاء القوات السورية في لبنان لتستمر الوصاية عليه ومن هم ضد بقائها، وها هم ينقسمون اليوم بين من هم مع المحور الايراني ومن هم ضده، وهو انقسام إن لم يشعل حرباً داخلية حتى الآن، فانه يكاد يدخل لبنان في خطر الفراغ الشامل وفي أزمات لا خروج منها إلا بتدخل خارجي يفرض عليهم الحلول ويجمع الموالين والمعارضين في حكومة واحدة تبقي لبنان على شفير الهاوية. فاذا لم يكن لايران مصلحة في فصل لبنان عن صراعات دول المنطقة ولاسيما سوريا، فهل يتفق الزعماء اللبنانيون على اتخاذ قرار بذلك بمعزل عن أي خارج، أم أن ارتباط بعضهم به، لا بل ارتهانهم له، يحول دون ذلك فيصيب لبنان عندئذ ما يصيب العراق وسوريا وليبيا والآن اليمن، ويكون لهؤلاء الزعماء في لبنان دور كدور زعماء الحوثيين في اليمن؟
إن لبنان هو على مفترق، فإما ان تنقذه الدول الشقيقة والصديقة، ولاسيما أميركا وإيران، أو ينقذه الزعماء فيه على اختلاق اتجاهاتهم ومشاربهم ومذاهبهم اذا كانوا وطنيين ويؤمنون فعلاً بلبنان أولاً وأخيراً ويقدمون مصالحه على أي مصلحة. وهذا الانقاذ يبدأ بانتخاب رئيس للجمهورية في اسرع وقت، وتشكيل حكومة جديدة تستطيع مواجهة كل التحديات والتطوّرات بما فيها التصدّي لكل أشكال الإرهاب. ومن دون ذلك فان هؤلاء الزعماء يتحمّلون، قبل الاشقاء والاصدقاء، مسؤولية عدم انقاذ وطنهم بابقائه خارج صراعات المحاور التي يرون بأم العين ما تجره على البلدان التي حولت أرضها وسماءها ساحة لها.