Site icon IMLebanon

لا حلّ للأزمة الرئاسية في المدى المنظور لأن القادر غير راغب والراغب غير قادر

الكل في لبنان والخارج يقرّ بأن أزمة الانتخابات الرئاسية هي علّة كل الأزمات، فلا حكومة تعمل ولا مجلس نواب يشرّع، ومع ذلك فإن أحداً لا يعمل بصدق على حلّ هذه الأزمة كي يتمّ التوصل الى حلّ كل الأزمات الناتجة منها. فالدول الراغبة في حل عقدة الاستحقاق الرئاسي، مثل فرنسا، غير قادرة، والدول القادرة، مثل إيران، غير راغبة، لذلك أمل الناس في الحوار بين “تيار المستقبل” و”حزب الله”، وإذ به وبطلب منه يضع الانتخابات الرئاسية خارج البحث. والحوار بين “القوات اللبنانية” و”التيار الوطني الحر” يضع أيضاً هذه الانتخابات خارج البحث لئلا يؤدي ذلك الى تطيير الحوار. وها إن حوار الأقطاب الذي يديره الرئيس نبيه بري لم يتوصل حتى الآن الى حلّ أزمة الانتخابات الرئاسية، بل انصرف الى التلهي في تحديد مواصفات الرئيس المقبول ليختلف المتحاورون في ما بعد على مَنْ تنطبق عليه الى أن يصبح الخارج جاهزاً لاختيار هذا الرئيس أياً تكن مواصفاته وصفاته.

لقد قرّر العماد ميشال عون مقاطعة جلسات مجلس الوزراء إذا لم يتمّ تعيين قائد للجيش، وليته قال إنه يقاطعها إذا لم يتمّ الاتفاق على حلّ أزمة الانتخابات الرئاسية، وليت “حزب الله” قال إن مرشحه هو العماد عون لأنه يعتبره أكثر تمثيلاً وأنه مستعد للنزول الى مجلس النواب لينافس به مرشحاً آخر كما ينصّ الدستور وتقضي به الديموقراطية، إذ ليس كلّ من هو أكثر تمثيلاً لطائفته هو الذي ينتخب رئيساً للجمهورية إنما الأكثرية النيابية وهي المطلوبة وليست الأكثرية الشعبية. فالعميد الراحل ريمون إده كان أكثر شعبية من الرئيس شارل حلو، لكن الأكثرية النيابية فضّلته على إده. وكان كل ركن من أركان “الحلف الثلاثي” (شمعون، الجميل، إده) أكثر شعبية من الرئيس سليمان فرنجيه، لكن الأكثرية النيابية ارتأت انتخابه، وقد حكم البلاد بصوت واحد فاز به على منافسه الرئيس الياس سركيس. وليت الحراك المدني حصر مطالبه بانتخاب رئيس للجمهورية ولم يغرق في فوضى المطالب والشعارات.

إن الرئيس القوي ليس قوياً دائماً بحجم كتلته النيابية ولا بحجم حزبه وشعبيته إنما بحجم تأييد الأكثرية النيابية له الى أن يصير انتخاب الرئيس مباشرة من الشعب ويتمّ تعديل الدستور لهذه الغاية. فالدكتور شارل مالك، مثلاً، لم تكن له شعبية توازي شعبية النائب الراحل فؤاد غصن، ولا كان رئيس كتلة نيابية، لكنه كان الرجل الأممي الذي رفع اسم لبنان عالياً في جميع المحافل العربية والدولية وكان قيمة وطنية في ذاته. ثم من يقول إن العماد عون هو أقوى مسيحياً من الدكتور سمير جعجع أو من الرئيس أمين الجميل كي يكون هو وحده رئيساً للجمهورية وبالتزكية خلافاً للدستور وللنظام الديموقراطي، ولماذا يشذ “حزب الله” ومن معه على القاعدة ولا يجعل مجلس النواب المكان الطبيعي والدستوري لانتخاب رئيس للجمهورية الى أن يتم تعديل الدستور ويصبح الانتخاب مباشرة من الشعب، وعندئذ يعرف من هو الأقوى بين المرشحين؟

إن ما يثير استغراب الناس هو أن تكون إيران وحدها تقريباً ومن دون سائر دول العالم قادرة على تعطيل انتخاب رئيس للجمهورية، ولا تأبه لدعوات كل المراجع السياسية والدينية في لبنان والعالم بما فيها دولة الفاتيكان لانتخاب رئيس للبنان قبل أي أمر آخر، لا بل أن تطلع ايران أخيراً ببدعة اجراء اصلاحات سياسية في لبنان قبل الانتخابات الرئاسية من دون تحديد نوع هذه الاصلاحات وطبيعتها، هل بوضع قانون جديد للانتخابات النيابية؟ هل باعادة النظر في اتفاق الطائف وجعل المثالثة بديلاً من المناصفة لتصبح الكلمة الفصل عندئذ وفي كل أمر للطائفة الأكثر عدداً؟ وهذا يذكّر اللبنانيين بسوريا عندما كانت تريد اطالة عمر وصايتها على لبنان، فربطت انسحاب قواتها العسكرية منه باكمال الاصلاحات السياسية التي ينص عليها اتفاق الطائف، ولاسيما منها إلغاء الطائفية، لعلمها ان الاتفاق على ذلك يطول ويطول معه بقاء القوات السورية في لبنان. فهل تريد إيران بقاء لبنان بلا رئيس الى أن يتمّ اتفاق على اصلاحات سياسية من دون أن تتدخل في تفاصيلها ليستمر الخلاف عليها الى أن يفضل النواب انتخاب عون، ولو مكرهين، على استمرار الشغور الرئاسي الذي يفتح أبواب الفراغ الشامل لفوضى عارمة، فتكون إيران قد سجلت بانتخاب عون انتصاراً لمحورها في المنطقة.