الطوابع المالية مقطوعة من الأسواق. من يسأل من المواطنين عن السبب، يُقال له إنّ الكميات الجديدة لم تصدر بعد. وزارة المالية تأخرت في تلزيم الشركة الطابعة، والأخيرة لم تُنفذ بعد العقد، ما أنتج الأزمة. يُعيد هذا الأمر طرح السؤال عن المناقصة التي لم تُجرَ بعد، في ضوء الحديث عن وجود نيّة لـ«تعليب» مناقصة على قياس إحدى المطابع الأوروبية
في فئة «الضرائب غير المُباشرة»، على موقع وزارة المالية، تُدرج الطوابع المالية. هي غالباً رسومٌ، لا يشعر المواطن بـ«وطأتها المادية» كثيراً، ولكنّها تدرّ المليارات على خزينة الدولة. «مصدر دخلٍ» توقّف العمل به في دولٍ عديدة، ولكن في لبنان لا يزال من الموارد الأساسية للدولة. في ضوء الأزمة الاقتصادية الحالية، و«الشحّ المالي» في الخزينة، وحاجتها إلى تعزيز الإيرادات… فُقدت فئات عديدة من الطوابع من السوق. أثر ذلك يتعدّى المالية العامة، ليمسّ المواطنين مباشرةً، نتيجة تعطّل معاملاتهم، أو تكبيدهم رسوماً إضافية، لاضطرارهم إلى شراء طوابع من فئات أغلى أو بأعداد أكثر، بحسب حاجة المعاملة.
الطوابع الجديدة التي ستُسلم لن تكفي لأكثر من ثلاثة أشهر (هيثم الموسوي)
كيف نشأت أزمة الطوابع؟ «التلزيم الأخير تأخّر كثيراً، ولكن يجب أن تبدأ عملية تسليم الطوابع في الأيام المقبلة». الشركة المسؤولة هي دار لبنان للطباعة والنشر، التي كان من المفترض أن تُسلّم ثمانية ملايين طابع. انقضت المهلة من دون أن تُنفذ دار لبنان العقد «لأنّها غير مُجهّزة ولا تملك الخبرة الكافية»، بحسب مصادر متابعة، مُضيفةً أنّ الكمية التي ستُسلم «لن تكفي لأكثر من ثلاثة أشهر، لتعود بعدها الأزمة إلى الظهور». من جهته، يقول الوزير السابق علي حسن خليل إنّه بعد أن أُجريت مناقصة جديدة في الصيف، «وقبل أن يتم فضّها في إدارة المناقصات، جاءت نقابة أصحاب المطابع مع وزير الصناعة يومها وائل أبو فاعور، طالبة تعديل دفتر الشروط لإعطاء الأولوية للمطابع اللبنانية. تريّثنا في الأمر وأجرينا مناقصة مؤقتة ومحدودة بكمية قليلة. الشركة تأخرت بالتسليم وأرسلنا لها إنذاراً».
عملياً، بدأت أزمة الطوابع منذ الـ2015، حين وافق ديوان المحاسبة على عقد اتفاق رضائي لطباعة 780 مليون طابع مالي بمبلغ 10 مليارات ليرة. وقد أُحيل العقد إلى الوزير علي حسن خليل لتوقيعه وتنفيذه. يومها، لم يُشارك في تقديم الأسعار إلا شركتا «الخوري للتجارة» و«مطبعة أنيس»، بعد أن جرى إغفال تبليغ شركات ترغب في المنافسة، وحُصر الاستدعاء بخمس شركات (راجع «الأخبار»، عدد 12 أيلول 2015)، لم تكن شركة «اينكريبت» (لصاحبها النائب السابق محمد الأمين عيتاني ويديرها ابنه هشام) المتعهّدة طباعة الطوابع منذ العام 1999، واحدةً منها. لماذا؟ يُحكى عن وجود نيّة «لإخراج اينكريبت من السوق، لصالح إحدى المطابع الأوروبية، التي كانت ستتعاون معها الشركة الفائزة بالاتفاق الرضائي». إلا أنّ علي حسن خليل يوضح أنّ «جريدة الأخبار نشرت يومها أنّه يوجد ملاحظات على الشخص الذي رست عليه المناقصة التي تُنظم للمرة الأولى منذ 20 سنة، وتوقفت المناقصة بعد أن طلبنا من ديوان المحاسبة ذلك، في حال وجود ملاحظات عليها».
حلّت مكان الاتفاق الرضائي عملية تلزيم بالفاتورة لكلفة لا تتخطى 50 ألف دولار. خسرت «اينكريبت»، لصالح الشركة التي قدّمت السعر الأدنى، وهي دار لبنان، علماً بأنّه في الـ2015، «كان عقد اينكريبت مُجدّداً حديثاً، وينصّ على أن تُسلّم الكميات المُتفق عليها لصالح وزارة المال على مراحل». آخر مرحلة من التنفيذ، كانت في النصف الأول من الـ2019، وهذا ما يُفسّر تأخر ظهور الأزمة حتى آذار الـ2019 وبداية العام الحالي.
خلال الأشهر الماضية، كانت وزارة المالية تُحاول إجراء مناقصة عمومية لتلزيم تقديم طوابع مالية، من دون نتيجة. في حزيران 2019 كانت المحاولة الأولى. ردّت دائرة المناقصات في التفتيش المركزي دفتر الشروط، بعد أن وضعت ملاحظاتها عليه. وقد ضغطت نقابة الطباعة في لبنان لإلغاء المناقصة لسببين رئيسيين: «أولاً، المدة التي تفصل بين الإعلان عن المناقصة وإجرائها قصيرة إلى درجة لا تسمح للمطابع التي تودّ الاشتراك بها بدراسة التكلفة وتقديم الأسعار المناسبة. وثانياً، إنّ دفتر الشروط قد شرّع الباب واسعاً أمام المطابع الأجنبية لتُنافس المطابع الوطنية». تراجعت «المالية»، لتُعيد إرسال دفتر شروط مُعدّل في 26 كانون الأول الماضي، إلا أنّه كان لدائرة المناقصات ملاحظاتها أيضاً، وقد أرسلتها إلى «المالية» في 15 كانون الثاني 2020، وما زالت بانتظار الجواب.
14 تعديلاً طالبت بها دائرة المناقصات، أبرزها:
– إضافة مادة إلى دفتر الشروط تتضمن إمكانية اشتراك مديرية الشؤون الجغرافية – الجيش اللبناني في المناقصة، بناءً على التعميم الرقم 20/97 الصادر عن رئاسة مجلس الوزراء، ويطلب فيه إلى جميع الإدارات العامة والمؤسسات العامة والبلديات اعتماد هذه المطابع. وتُضيف المصادر لـ«الأخبار» أنّ الهدف من هذا التعديل هو «تقديم أسعار مُتدنية، وهكذا يكون هامش الربح آيلاً لمصلحة الدولة نفسها»، إلا أنّ أحد العاملين في مجال الطباعة ينفي أن يكون لدى مديرية الشؤون الجغرافية هذه الإمكانيات، «فهي تلجأ إلى المطابع الخاصة للقيام بعدد من العمليات المشابهة لطباعة الطوابع».
أرسلت دائرة المناقصات ملاحظاتها إلى «المالية» في 15 كانون الثاني
– إضافة مادة إلى دفتر الشروط تنص على أن يُسمح للجنة التلزيم بإحالة المستندات الفنية والعينات المُقدمة من العارضين إلى خبير فني أو لجنة خبراء في مجال المطابع وطباعة الطوابع… على أن تُعينها إدارة المناقصات.
– إضافة الرسوم الجمركية وكلفة الشحن والنقل، لا سيما في حال الاستيراد، إلى السعر المُقدّم من العارض.
– اشتراط أن يحصل العارض الأجنبي على إفادة من وزارة الاقتصاد والتجارة تُفيد بأنّه يحق له الاشتراك في الصفقة بناءً على قانون مقاطعة العدو الإسرائيلي.
– تخفيض قيمة التأمين المؤقت من 100 مليون ليرة إلى 50 مليون ليرة، كحدّ أقصى، توسيعاً لدائرة المنافسة.
– تُقدّم الأسعار بالعملة اللبنانية فقط، وتعديل المادة 16 في دفتر الشروط، التي كانت تذكر أنّه «إذا طرأ تعديل في سعر صرف الليرة، يُدفع ثمن الطوابع في حال كانت بالعملة الأجنبية بحسب سعر صرف الدولار المتداول في مصرف لبنان بتاريخ الدفع أو التحويل المصرفي».
– تفضيل حصر المنافسة بالمطابع المحلية، وفي حال الإصرار على فتح باب المنافسة أمام المطابع الأجنبية، إعطاء الأفضلية للمطابع اللبنانية بنسبة 10%، بدلاً من 5%. وتقول المصادر في هذا الإطار إنّه «لدينا عدد كاف من المطابع، ومن غير المفهوم أن يتم الإصرار في هذه الظروف على مطابع أجنبية من المؤكد أنّ مصاريفها ستكون أكبر، ما سينعكس على السعر الذي تدفعه الدولة».
– لم تدل التجربة على حصول خلل كبير في التقنيات المعتمدة، لذلك لم تجد دائرة المناقصات داعياً لإدخال تقنيات عالية التكلفة.
– في الفقرة حول «غرفة التخزين»، وردت عبارة «حيطان مزدوجة من الخرسانة المسلحة مع تجويف ضدّ الانفجارات». بالنسبة إلى دائرة المناقصات، يجب توضيح مدى الحاجة إلى هذه الخاصية وتأثيرها على السعر والمنافسة، وإمكانية أن تكون الغرف مجهزة تحت الأرض معزولة ومحمية.