يشكل مقتل صالح الصماد رئيس المجلس السياسي الأعلى، أي رئيس الجمهورية في الكيان الذي أقامه الحوثيون في صنعاء، ضربة معنوية لهؤلاء. يشير الاغتيال الذي نفذته طائرات تابعة للتحالف العربي، الذي على رأسه المملكة العربية السعودية ودولة الامارات، الى تحسن كبير في القدرة على جمع المعلومات عن تحركات الحوثيين، خصوصا قادتهم.
كان الصمّاد رمزا حوثيا في صنعاء. كان كافيا ان ينتقل الى الحديدة كي يتمكن التحالف العربي من رصده مظهرا انّ لا نيّة في الاستسلام للمشروع الايراني في اليمن. على العكس من ذلك، ثمّة رغبة واضحة وارادة صلبة في القضاء على هذا المشروع الذي كان الرئيس السابق علي عبدالله صالح من ضحاياه، علما انّه لعب دورا في منتصف تسعينات القرن الماضي في ظهور الحالة الحوثية في مواجهة المحاولات التي بذلها الاخوان المسلمون لاختراق كلّ المحافظات اليمنية، بما في ذلك الشمال الزيدي.
انقلب الحوثيون على علي عبدالله صالح علنا ابتداء من العام 2003 وما لبثوا ان خاضوا ست حروب معه بين 2004 و 2010. ولم ينجح الحوثيون في الاستيلاء على صنعاء في الواحد والعشرين من أيلول – سبتمبر 2014 الّا بعد خروج الرئيس السابق من السلطة وتسليمه الرئاسة الى رئيس موقت يدعى عبد ربّه منصور هادي، لا يزال في موقعه الى اليوم. لا يزال الرئيس الموقت موقتا منذ ما يزيد على ست سنوات، اي منذ شباط –شباط 2012.
لا شكّ ان هناك حاجة الى ما يسمّى «الشرعية» اليمنية، خصوصا منذ انطلاق عملية «عاصفة الحزم» في الشهر الثالث من العام 2015، علما ان اوّل ما فعلته هذه «الشرعية» كان توجيه سهامها الى علي عبدالله صالح الذي ما لبث الحوثيون ان اغتالوه في الرابع من كانون الاوّل- ديسمبر 2017. وضعوا بذلك حدّا لكل التأويلات المتعلّقة بالعلاقة بينهم وبين الرئيس السابق الذي صار يعرف منذ تخليه عن الرئاسة باسم «الزعيم» بصفة كونه زعيما للمؤتمر الشعبي العام، وهو الحزب الذي كان انشأه في العام 1982.
كان مقتل الصمّاد بمثابة دليل على ان الحوثيين الذين باتوا يعملون تحت تسمية «انصار الله» تابعون لإيران. تكفي نظرة الى برقيات التعزية برئيس المجلس السياسي الأعلى للتأكد من انّهم مجرد أداة إيرانية تماما كما حال «حزب الله» في لبنان الذي تبث منه قناة «المسيرة» التابعة للحوثيين. حرص الأمين العام للحزب السيّد حسن نصرالله على التعزية بالصمّاد مؤكدا ما ليس في حاجة الى تأكيد بالنسبة الى مدى تورط هذه الميليشيا المذهبية اللبنانية في ما يدور في اليمن وذلك منذ سنوات طويلة.
يظلّ السؤال هل يقدّم مقتل رئيس المجلس السياسي الأعلى في السلطة التي شكلها الحوثيون في شيء؟ مرّة أخرى، انّها ضربة معنوية لـ»انصار الله» الذين باشروا قبل بضعة اشهر في اطلاق صواريخ باليستية إيرانية في اتجاه الأراضي السعودية. كشفوا بذلك الى ايّ حدّ صاروا ورقة إيرانية لا اكثر، إضافة الى انهم شركاء في لعبة لا هدف لها سوى المسّ بالامن الخليجي عن طريق تطويق السعودية وتهديد الملاحة في البحر الأحمر.
هناك ما هو ابعد من الضربة المعنوية. هناك ما يشير الى تحسّن طرأ على عملية جمع المعلومات لدى التحالف العربي عن تحرّك الحوثيين من جهة وبداية وعي أميركي اكبر لاهمّية اليمن من جهة أخرى.
بدأت في الأسابيع القليلة الماضية تظهر في وسائل اعلام أميركية مقالات عن اهمّية اليمن وعن ضرورة عدم تجاهل المأساة الانسانية التي يشهدها هذا البلد الفقير الذي دخل في العام 2011 مرحلة التشرذم في ظلّ انتشار الامراض والمجاعة…
ما يشهده اليمن مأساة بكلّ معنى الكلمة، وذلك على الصعيد الإنساني اوّلا والسياسي ثانيا، خصوصا في غياب «شرعية» ترفض تحمّل مسؤولياتها. يبدأ تحمّل المسؤولية باعتراف «الشرعية» بانّها كانت السبب الأساسي لسقوط صنعاء في يد الحوثيين. حدث ذلك بعد التحذير الصريح الذي بعث به علي عبدالله صالح الى الرئيس الانتقالي الذي رفض في تموز – يوليو التصدّي للحوثيين في محافظة عمران مؤكدا له ان سقوط عمران وسقوط مقرّ اللواء 310 بالذات سيعني دخول «انصار الله» العاصمة. نقل التحذير أربعة اشخاص من قياديي المؤتمر الشعبي، ما زال ثلاثة منهم احياء يرزقون.
رفض عبد ربّه التحذير الذي نقله اليه قياديو المؤتمر الشعبي واصرّ على انه لا يريد مساعدة الرئيس السابق في تصفية حساباته مع الحوثيين. حسنا، طرد الحوثيون الرئيس الانتقالي من صنعاء. بعد وضعه في الإقامة الجبرية، استطاع عبد ربّه إيجاد طريقة للهرب الى خارج العاصمة.
اذا كان من جديد في اليمن الآن، فان هذا الجديد لا يتمثّل في تغيير كبير في خطوط التماس بين قوات «الشرعية» و»انصار الله». الجديد هو في وجود قوى تتحرك في منطقة الساحل، في محيط الحديدة تحديدا، وتحقّق تقدّما على الأرض. هذه القوى العسكرية هي بقيادة العميد طارق محمد عبدالله صالح، ابن شقيق الرئيس السابق الذي كان الحوثيون يريدون اغتياله وما زالوا يحتجزون نجله عفّاش وشقيقه محمّد محمّد عبدالله صالح.
لا يمكن فصل هذا الجديد عن وجود تراجع للمشروع التوسّعي الايراني على الصعيد الإقليمي في ضوء القرار السعودي القاضي بالتصدّي له. كانت الجولة الاخيرة للأمير محمّد بن سلمان وليّ العهد السعودي في الولايات المتحدة خير دليل على وجود نية سعودية في التصدّي المباشر والعلني من دون عقد من ايّ نوع. لا شكّ ان هذه الجولة لعبت أيضا دورها في اقناع الجانب الاميركي بان لا مجال متابعة لعب دور المتفرّج حيال ما يدور في اليمن، خصوصا في ضوء التهديدات المتزايدة للحوثيين للملاحة في البحر الأحمر.
نعم، هناك جديد في اليمن. لكنّ هذا الجديد لن يكتمل الّا في حال إعادة تشكيل «الشرعية» والاستعانة بكلّ القوى القادرة على تشديد الخناق على المشروع الايراني في اليمن. هل يعقل مثلا ان تبقى قيادة «الشرعية» خارج الأراضي اليمنية؟ هل طبيعي ان تبقى هناك عقوبات دولية على شخص مثل العميد احمد علي عبدالله صالح، نجل الرئيس السابق، الذي يستطيع لعب دور سياسي على غير صعيد في اليمن في سياق ايّ عملية لدحر الحوثيين بكلّ ما يمثلونه من تخلّف؟
ثمة حاجة الى أفكار جديدة وخلاقة في الوقت ذاته لمعالجة موضوع معقّد مثل الموضوع اليمني. ثمّة حاجة قبل كلّ شيء الى تسمية الأشياء باسمائها. صحيح انّه يمكن القول ان «عاصفة الحزم» حاصرت المشروع الايراني في اليمن، لكنّ الصحيح ايضا ان خنق هذا المشروع يحتاج الى اكثر من التخلّص من الصمّاد والى نظرة مختلفة الى «الشرعية» الموجودة من منطلق ان صلاحيتها انتهت منذ فترة طويلة…