لا يفصل لبنان عن دخول العام 2020 الموعود بالانهيارات والمجاعات والمخاوف التي يجري توزيعها ليل نهار على مسامع اللبنانيّين من دون أن يخرج أحدٌ من الّذين يدّعون أنّهم يتحمّلون مسؤوليّة البلاد والعباد ويخاطب الشعب اللبناني في مكاشفة صادقة ولو لمرّة واحدة، الجميع متواطئون ومنخرطون في لعبة تشكيل الحكومة والرّغبة القاتلة في المحاصصة، وبصرف النّظر عمّن يُشكّل هذه الحكومة العتيدة سواء أكان الوزير جبران باسيل، أم «خليليْ» الثنائيّة الشيعيّة، لن يكون بمقدور هذه الحكومة أن تحكم حتّى لو تشكّلت، وما يحدث ليس أكثر من إصرار على الاستمرار في سياسة تضييع الوقت اللبناني الضائع أساساً!
لو أراد هؤلاء إنقاذ لبنان فعلاً، لكان اليوم الدكتور راند غيّاض اللبناني ابن شبعا مستشار البنك الدوليّ، الذي أنقذ الولايات المتحدّة الأميركيّة من أزمة البطالة، هو رئيس الحكومة المكلّف لإنقاذ لبنان من مكابدة انهيار لا تقوم له قائمة من بعدها، راند غيّاض من أصحاب الاختصاص، بالتأكيد لبنان لا يحتاج إلى متخصّص في الهندسة في الاتصالات والكومبيوتر، لكن ليس هناك من ينقذون ولا من يحزنون!!
من السّخافة بمكان أن يسمع اللبنانيّون «لازمة بلهاء» تطالبهم بمنح الرئيس المكلّف حسّان دياب «فرصة»، كأنّ لبنان وشعبه يحتمل ترف منح «الفرص» و»التّجريب»، إسمحوا لنا، قد تكون مغامرات منح الفرص مقبولة عندما نكون أمام رئيس حكومة كالدكتور راند غيّاض الذي سبق وحذر حاكم مصرف لبنان من سياساته المالية التي ستوصل البلاد إلى هذه الأزمة، تمنح الفرصة لمختصٍّ في خطط الإنقاذ الاقتصادي والمالي، بالتّأكيد الدكتور حسّان دياب فهم كلمة «إختصاصي» بشكل خاطىء فهو ينسب إلى نفسه صفة «الاختصاص» مع أنّه مختصّ أكاديميّاً في الهندسة وهي مادة لا علاقة لها لا من قريب أو بعيد بالاختصاص الذي يحتاجه لبنان في هذه المرحلة، وهذه خطيئة كبرى ترتكب بحقّ اللبنانيّين الذين لم يعد بمقدورهم قبول التّعامل معهم كفئران مختبرات التّجارب!!
البلد مفلس، دخلنا دوامة الانهيار الكامل، قبل شهريْن تم التّهديد بمساءلة كلّ الكتّاب والصحافيّين والمختصين الاقتصاديّين الّذين يحذّرون من وضع الاقتصاد اللبناني الكارثي في سياق سياسة كمّ الأفواه ومن غباء سياسة النّعامة هذه أنّ البعض اعتقد أنّه إذا منع ذكر الكارثة والانهيار المالي لن يقع هذا الانهيار، لم يكد يمضي شهران على هذا التلويح بعصا الاستدعاء أمام المدّعي العام ـ الذي بات معروفاً بشخصه واسمه ـ حتى وقعت الواقعة واستيقظ النّاس على فاجعة تسوّل جنى عمرهم على كونتوارات المصارف، لذا لا يملك اللبنانيّون ـ وليس فقط الطّائفة السُنيّة، لأنّه من السّخافة بمكان الحديث عن طائفة بعينها فيما البلد يغرق بكلّ طوائفه ـ ترف منح «فرصة» مجدّداً لرئيس حكومة لم نسمع منه وعرف أنّه حتى تصوّراً عن رؤيته لكيفيّة إنقاذ الوضع الاقتصادي والمالي، ولم نفهم أيّ خطة إنقاذيّة تم تكليفه على أساسها لينقذ ما تبقّى لإنقاذه من بقايا انهيار الهيكل اللبناني على رؤوس الجميع!
هذه آخر فرصة للبنان، فكيف يُطلب من اللبنانيّين منح الفرصة الأخيرة لمصيرهم ومصير وطنهم لرجلٍ غريب عن عالم هذا النّوع من الأزمات الانهياريّة المخيفة، نحن أمام بلد يفلس وينهار ولسنا أمام شركة مفلسة يلتقط فرصتها رجل أعمال ذكي ليحوّلها من شركة منهارة إلى شركة ناجحة، لا ينفع التجريب على مستوى بلد وشعب ودولة، حضرات المعنيّين مصرّون على خداع الشعب اللبناني حتى اللحظة الأخيرة، ومن المؤسف أنّنا أمام رئيس مكلّف متمسّك وبشدّة بالكرسي ولا يمتلك الجرأة الأدبيّة ليخرج على اللبنانيّين معتذراً عن هذا التّكليف معلناً أنّه ليس الرّجل المناسب لهذه المهمّة التي ستكلّف إن فشلت ضياع البلد!
للأسف الرئيس المكلّف حسان دياب ليس من خامة الشجعان العارفين حدود إمكاناتهم والقادرين بتواضع على الاقتداء بالفقهاء الكبار الّذين لم يجدوا حرجاً إذا ما سألوا الفتيا في مسألة ما أن يقولوا: لا أعلم.. رحم الله الإمام مالك وقاعدته الصادقة في الفقه «من قال لا أعلم فقد أفتى»، من المخجل أننا أمام حالة يصحّ فيها الحديث النبويّ الشّريف «من أفتى بغير علم فليتبوّأ مقعده من النّار»، ولا يختلف اثنان من اللبنانيّين أنّ وقت «الفرص» و»التجريب» و»توزيع الوهم» على الشعب اللبناني قد نفد، ومع هذا لا يريد أحد أن يتصرّف على قدر هذه المسؤوليّة!!