IMLebanon

لا… للإعتذار  

 

يعرف الرئيس سعد الحريري أن لا بديل عنه في حال اضطر الى الإعتذار، حتى لو توافر عدد النواب الكفيل بتسمية شخصية سنية سواه في إستشارات القصر الجمهوري الملزمة. فالمسألة ليست مسألة عدد وحسب، إنما هي قضيّة ميثاقية في صلب مفهومها الوطني أن يتولى المسؤولية في رئاسة الحكومة الذي يحظى بأكثرية في الطائفة السنية الكريمة، فتأتي التسمية في الإستشارات لتؤكد على المؤكد.

 

صحيح أنّ ما تقدّم لا يكرسه النص الدستوري. وصحيح أنّ رئيس الوزراء ليس لطائفته وحسب إنما هو للبنانيين جميعاً بأطيافهم كلّها… إلاّ أن الصحيح أيضاً أنه يجب الأخذ، في الإعتبار، روح الدستور المنطلق من الميثاق الوطني الذي أكد عليه الدستور في الفقرة «ي» من مقدّمته وهي تنصّ على «لا شرعية لأي سلطة تناقض ميثاق العيش المشترك».

 

ومع تقديرنا لجميع من يتطلعون، في هذه المرحلة، الى كرسي رئاسة الحكومة (إذا كان هناك من يتطلع إليها فعلاً) فإننا لا نجد فيهم من يمكنه أن يدّعي شمولية التمثيل مثل سعد الحريري الذي تعتبر زعامته عابرة للمناطق والمحافظات والدوائر الإنتخابية أيضاً. وهذه حقيقة أثبتتها قدرته على تأليف لوائح في مختلف مناطق التواجد السنّي، إضافة الى عبوره الطوائف أيضاً.

 

من هنا لا نرى أنّ الرئيس سعد الحريري سيتمنّع عن قبول التكليف مرة أخرى فيما لو اضطر الى الإعتذار. ولكن أصلاً لسنا نرى أي موجب لهكذا خطوة في المرحلة الراهنة إذا صدّقنا ما يقوله ويردده (مراراً وتكراراً) الأطراف والأحزاب والتكتلات جميعاً من أنهم مصرّون على أن يكون الحريري رئيساً للوزراء، بمن فيهم معظم النواب السنّيين الذين رشحوه في إستشارات قصر بعبدا والذين أعطوه، لاحقاً، ثقة غالية جداً بلغت 111 صوتاً، وهو رقم مرتفع جداً في ضوء الواقع السياسي القائم المعروف.

 

وفي تقديرنا أنّ الرئيس الحريري مطالب بأن يتعامل مع تأليف الحكومة إنطلاقاً من هذه الثقة العارمة، بقدر ما أنّ الذين أولوه ثقتهم هم أيضاً مطالبون بتسهيل مهمته.

 

وقد لا نبالغ إذا إدّعينا أنّ من أسباب العرقلة ليست فقط المطالب والشهيات المفتوحة على تكبير الحصص، ولا كذلك النكايات والأحقاد بين غير طرف… بل أيضاً حال «اليتم»! فقد أصبحت الحال السياسية يتيمة بعد غروب «شمس» الوصاية السورية التي كانت تطلب فتُلبّى، وتأمر فتُطاع! حتى اذا سقطت تلك الوصاية في أعقاب استشهاد الرئيس رفيق الحريري رحمه اللّه، كانت قد تقدّمت الصفوف «الطبقة الهجينة» التي لم تعرف لبنان ما قبل الحرب والوصاية، وقد إعتاد معظمها على تلقي التعليمات (كي لا نقول الأوامر) وتنفيذها… فوقع القوم في حيرة من أمرهم!.

 

وإننا نرى أنّ الوضع اللبناني الدقيق، في غير واحد من جوانبه، لا يتحمل تجربة مرّة مثل دفع سعد الحريري الى الإعتذار، فالمطلوب من الجميع تسهيل مهمة التأليف لتدارك الوصول الى حيث لا ينفع الندم.