Site icon IMLebanon

لا للتباكي على «14 آذار»

مرّت امس الذكرى الثانية عشرة لتظاهرة الرابع عشر من آذار. كانت التظاهرة التي أخرجت القوات السورية من لبنان دليلا على وجود لحمة وطنية بين اللبنانيين من كلّ الطوائف والمناطق والطبقات الاجتماعية. ظهر وعي جماعي لاهمّية لبنان بالنسبة الى اللبنانيين. تبلور هذا الوعي اثر اغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه قبل ذلك بشهر. كانت التظاهرة أيضا ردّا على خطاب «شكرا سوريا» الذي القاه الأمين العام لـ«حزب الله» السيّد حسن نصرالله، الذي ربّما كان يريد يوم الثامن من آذار 2005 شكر النظام السوري على تغطية عملية اغتيال رفيق الحريري.

تكشّفت لاحقا الظروف الإقليمية التي قادت الى التخلّص من رجل لم يكتف بإعادة الحياة الى لبنان واعادته الى خريطة المنطقة فحسب، بل مثّل أيضا نموذجا يمكن ان يحتذى به في سوريا وغير سوريا من دول المنطقة،من اجل مستقبل افضل لها في ظلّ عروبة حضارية ومشروع بناء دولة حديثة أبعد ما تكون عن التبعية للمشروع التوسّعي الايراني.

هل بقي شيء من روح الرابع عشر من آذار 2005؟

الجواب بكلّ بساطة انّه بقي الكثير. لو لم يكن ما حصل في ذلك اليوم، الذي نزل فيه لبنان كلّه الى الشارع، منعطفا على الصعيد الإقليمي لما كانت كلّ تلك الجرائم التي استهدفت اللبنانيين الشرفاء الذين كانوا ابطال الرابع عشر من آذار ورموزه. اكثر من ذلك، عندما استفاق السوريون في آذار 2011 ونزلوا الى الشارع في تظاهرات سلمية تطالب بإسقاط النظام، لم يكن يوم الرابع عشر من آذار 2005 اللبناني بعيدا عن اذهانهم.

بسبب اهمّية الرابع عشر من آذار في لبنان والخوف من انعكاساته على المنطقة كلّها، كان لا بدّ من اللجوء الى كلّ أنواع الجرائم كي لا يتجرّأ اللبنانيون على القيام مجددا بما قاموا به. هذا لا يعني انّ اللبنانيين لم يقاوموا. لا يزال اللبنانيون يقاومون الى اليوم.

عندما يرفض دروز لبنان، الذين يعتبرون طائفة مؤسسة للبلد، التهميش الذي يتعرّضون له فذلك فعل مقاومة. ليس صدفة ان يعبّر دروز لبنان، والى جانبهم أبناء الطوائف الأخرى، عن رفض التهميش في ذكرى اغتيال النظام السوري لكمال جنبلاط الذي رفض في العام 1977 املاءات حافظ الأسد بعدما أدرك طبيعة النظام السوري وحقيقته، فضلا عن ادراكه اهمّية إبقاء العلاقة مع اللبنانيين الآخرين. شمل ذلك الأطراف المسيحية حيث كان بشير الجميّل هو النجم الصاعد. كانت النتيجة التخلص سريعا من كمال جنبلاط على يد ضابط سوري معروف مرتبط مباشرة بحافظ الأسد وجهازه المفضّل الذي اسمه مخابرات سلاح الجوّ.

بين الرابع عشر من آذار 2005 وما يشهده لبنان حاليا من تجاذبات لا هدف منها سوى وضع «حزب الله» يده على مجلس النوّاب بعدما عجز عن ذلك في انتخابات 2005و 2009، لا بدّ من النظر الى المرحلة من زاوية أوسع. يفرض النظر الى المرحلة الراهنة من هذه الزاوية الاوسع الاحداث التي مرّ فيها البلد منذ اثني عشر عاما. تظلّ الاغتيالات التي استهدفت اللبنانيين الشرفاء، بدءا بسمير قصير وصولا الى محمّد شطح، من ابرز الاحداث. يُضاف الى ذلك، انّ ايران التي كانت تستعد لملء الفراغ الذي نجم عن الانسحاب العسكري السوري، لم توفّر أي وسيلة من اجل بلوغ هدفها. لعلّ ابرز ما قامت به هو افتعال حرب صيف العام 2006 التي نتج عنها القرار 1701 الصادر عن مجلس الامن التابع للأمم المتحدة بغية وقف «الاعمال العدائية» بين «حزب الله» وإسرائيل. أعاد القرار الجيش اللبناني الى جنوب لبنان بعد غياب طويل عنه.

كان الانتصار على لبنان النتيجة الحقيقية لتلك الحرب. هذا الانتصار على لبنان جعل الحزب يوافق على «كلّ كلمة وردت في القرار» الذي استهدف حماية لبنان. عبارة «كل كلمة وردت في القرار» اكّدها الرئيس سعد الحريري. شدّد سعد الحريري على العبارة غير مرّة من دون ان يعترض عليه احد انّ من الحزب وان من خارجه.

في ظلّ التجاذبات التي يشهدها لبنان حاليا، ليس مهمّا ان تتأخر الانتخابات النيابية شهرا او شهرين او ثلاثة. يمكن لهذه الانتخابات ان تحصل في تشرين الاوّل او تشرين الثاني. القانون الانتخابي مهمّ. المهمّ في الامر ان يكون قانونا عادلا فعلا وليس على قياس «حزب الله» وطموحاته.

المهمّ ان تجري انتخابات، مثلما كان مهمّا انتخاب رئيس للجمهورية، وانّ في ظلّ معادلة ليس معروفا الى أي درجة يمكن ان تصمد في وجه المطالب الايرانية. الاهمّ من الانتخابات عدم السقوط في فخّ التباكي على يوم الرابع عشر من آذار 2005. كانت هناك فرص ضائعة، هذا صحيح، لكنّ حجم الهجمة على لبنان كان ولا يزال كبيرا. من يسعى الى التأكّد من ذلك يستطيع ان يعود بالذاكرة قليلا الى خلف. كانت نتيجة حرب صيف 2006 انتصارا إيرانيا على لبنان ساهمت فيه إسرائيل، مع فارق، انّها عملت على استخلاص العبر من تلك الحرب. من حقّ لبنان التركيز على اجراء الانتخابات النيابية، لكنّ من حقه أيضا ان لا يهمل أمورا كثيرة أخرى. من بين هذه الامور التمسّك اكثر فاكثر بالقرار 1701 الذي حال دون ان يكون الانتصار الايراني على لبنان كاملا. هذا يعني ان «الرابع عشر من آذار» كحركة شعبية تمثل الضمير اللبناني لم تستسلم بعد.