كما كان متوقعاً، لم يوقع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون مرسوم دعوة الهيئات الناخبة، وبذلك طار رسمياً وفعلياً الموعد الذي حدَّد سابقاً لإجراء الانتخابات في أيار.
المرسوم الذي وصل الى قصر بعبدا ووضعه عون في درج مكتبه لن يرى النور في الأمد المنظور على الاقل، فارِضاً بذلك مرحلة حضّ إضافية للتفاهم على قانون جديد للانتخابات يحظى بموافقة غالبية القوى السياسية، أو بتعبير أوضح، بإجماع الأطراف السياسية الاساسية والتي تمثل القرار اللبناني فعلياً.
خلال الاسابيع الماضية بدا أنّ الحوار أو التفاوض بين هذه الأطراف يفتقد الى المفهوم المشترَك للقاعدة الواجب أن يُبنى عليها المشروع المطلوب.
ظهرت صيغ كثيرة لكنّها كانت متباعدة ومتناقضة كونها كانت تستند الى المصلحة المباشرة لكلّ فريق، ما يجعلها حكماً تُعارض مصالح الأفرقاء الآخرين. والأهم أنّ أيّاً من الأفرقاء لا يبدو مستعداً للمساومة، وبالتالي الموافقة، على مشروع يعتقد هو أنّه بمثابة حكم الإعدام له ولمستقبله.
فالمجلس النيابي الجديد سيشكل خريطة النفوذ الجديدة التي ستُرسَّخ لتصبح قاعدة ثابتة مستقبلاً وللمجالس النيابية اللاحقة طالما أنّ القانون المنتظر سيعيش لمدة ثلاثين سنة، وهو ما يعني أنّ رئيس الجمهورية المقبل سيخرج من رحم هذه المعادلة الجديدة التي ستنشأ.
كذلك، فإنّ الرئيس سعد الحريري كان قد سمع بأنّ رئيس الحكومة سيخضع لمنطق تمثيله لشارعه، وهو ما يجعله والفريق المعاون له متمسّكين بصيغة قانونية مضمونة، فيما الثنائي الشيعي الساعي لإقرار النسبية الكاملة لا يبدو مستعداً لإقرار صيغة جديدة تسمح للمعارضة باستعادة مكاسب كانت قد خسرتها خلال سنوات النزاع الماضية بدءاً من العام 2005.
ووفق هذه الصورة، تبدو فرضية التفاهم على قانون جديد صعبة جداً، لكي لا نقول مستحيلة، لكنّ الوقت يمضي ومجلس النواب يستنزف ما تبقّى له من ولايته الممدّدة مرّتين أصلاً.
المهلة الأولى مرّت ليبدأ العدّ التنازلي قبل الوصول الى المهلة الثانية التي تُعتبر مهلةً خطرة ذلك أنّ إجراء الانتخابات النيابية قبل انتهاء ولاية المجلس الحالي سيعني إلزامية حصول ذلك قبل العشرين من شهر حزيران المقبل. هذا إذا أردنا أن نلعب على حافة الهاوية، ما يعني ضرورة دعوة الهيئات الناخبة قبل العشرين من آذار المقبل.
أما المهلة الثالثة، فهي المهلة القاتلة والتي تنتهي مع نهاية ولاية المجلس الحالي في حزيران المقبل.
وبعيداً عن «دجل» المواقف المعلنة والتصريحات السياسية، يُقرّ الجميع ضمناً وفي الجلسات المغلقة أنّ الأفق مقفلٌ أمام أيّ احتمالات لإيجاد مشروع انتخابي مشترَك، إلّا إذا استجدّ ما ليس في الحسبان، ما يعني أنّ المشكلة هي مشكلة قرار وليست مشكلة مزيد من الوقت لإنجاز المهمة.
وبخلاف اعتقاد البعض، فإنّ عامل الوقت لا يشكل فعلياً سلاح ضغط لدفع الجميع الى إنجاز قانون جديد، لا بل العكس.
فـ«حزب الله» المنشغل بالحرب الدائرة في سوريا وبالمشاريع الجاري إعدادها والتي تبدّلت مع وصول دونالد ترامب الى الرئاسة الأميركية، يُدرك جيداً أنّ النقاط العسكرية الثمينة التي كسبها في الميدان تحتاج الى ترجمتها سياسياً في المعادلة المقبلة ومن خلال المفاوضات التي بدأت وتبدو صعبة، لا بل شاقة وطويلة، وبالتالي فإنّ المرحلة المقبلة والتي تعد كثيراً انطلاقاً من وقائع الميدان ستُرخي بنتائجها أيضاً على الساحة اللبنانية، وهو ما يعني أنّ المكاسب في لبنان مرشّحة لأن تزيد، فلمَ العجلة؟
وتيار «المستقبل» قد يرى مكسباً في توظيف الوقت لمصلحته، وهو المحشور والمحاصر بمشكلات عدة. ذلك أنّ الوصول الى المهلة «القاتلة» سيعني مسألة من اثنين: إما الذهاب الى انتخابات وفق القانون الحالي أو التمديد لمجلس النواب لسنة إضافية، طالما أنّ الفراغ ممنوع وأنّ مجلس النواب سيّدُ نفسه، إضافة الى أنه بات يحوز على دراسة قانونية تفرض دستورياً الشروع في الانتخابات وفق القانون الموجود كبديل إلزامي من الفراغ.
والمفارقة، أنّ الأطراف والأحزاب المسيحية، وعلى رغم أصوات الاعتراض المرتفعة، تُوجّه ماكيناتها الانتخابية وفق القانون المعمول به حالياً، وهي تصرف اعتمادات مالية لتنشيط ماكيناتها وتفعيلها وتنفّذ استطلاعات رأي وفق التوجّه نفسه.
ووفق ما تقدّم، فإنّ المهلة الخطرة التي تحلّ أواسط الشهر المقبل لن تحمل على الأرجح قانوناً جديداً، وعلى رغم أصوات الاعتراض التي سترتفع أكثر سيبقى مرسوم دعوة الهيئات الناخبة في دُرج مكتب رئيس الجمهورية، فهو يهوى أساساً الرقص على حافة الهاوية.
وبعد ذلك، سيتحوّل النقاش الى دستورية وحتمية حصول تمديد لمجلس النواب كبديل من الفراغ، لأنّ أيّ موعد جديد للانتخابات سيكون حكماً بعد انتهاء ولاية مجلس النواب.
ومع الاقتراب من المهلة القاتلة في حزيران، ستصبح البلاد أمام خيار من ثلاثة:
1 – الفراغ، وهو خيار ممنوع داخلياً وإقليمياً ودولياً، ووسائل مواجهته موجودة ومتوافرة من ضمن الأطر الدستورية.
2 – التمديد لسنة واحدة.
3 – إنجاز الانتخابات النيابية وفق القانون المعمول به في أيلول المقبل.
وما بين التمديد وقانون «الستين»، يُصبح الخيار الثاني هو الاقل سوءاً، ما يعني أنّ دعوة الهيئات الناخبة سيحصل في حزيران، لتصبح معه الانتخابات النيابية في أيلول المقبل، هذا إذا لم تطرأ مفاجأة غير محسوبة ومن العيار الثقيل. مَن يدري فنحن في لبنان.