طارق ترشيشي
تتقاطع التقديرات والتوقعات التي سبقت زيارة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون للرياض والدوحة وتواكبها على التأكيد أنها ستحقق «نتائج مهمة» تفيد لبنان على مستوى استعادة دوره في محيطه في ظلّ الحراك الجاري على غير مستوى لتحقيق تسوياتٍ للأزمات الإقليمية المتفجّرة.
تكتسب زيارة عون للرياض والدوحة أهمية استثنائية ليس لأنها الزيارة الأولى التي يقوم بها بعد انتخابه رئيساً للجمهورية في 31 تشرين الأول 2016، وليس فقط بسبب الملفات العالقة بين لبنان ودول مجلس التعاون الخليجي، وتحديداً المملكة العربية السعودية وقطر، على أهمية هذه الملفات، بدءاً من ملف الهبة السعودية الى ملف رفع الحظر عن زيارة مواطني الخليج للبنان الى قضايا أمنية مشترَكة.
وإنما المهم في هذه الزيارة هو أنها تكرّس استقلالية القرار السياسي والرئاسي اللبناني، وبالتالي تسمح للبنان بأن يستعيد دوره في تنقية الأجواء العربية والإقليمية، وأن يُسخّر كلّ علاقاته لخدمة سيادته وأمنه واستقراره وتنميته.
وبالتأكيد، يدرك المراقبون، أنّ اختيار عون للرياض والدوحة محطتين أُولَيَين في زياراته الخارجية، ما كان ممكناً له أن يتمّ بهذه السلاسة ومن دون اعتراض أيّ جهة لبنانية أو إقليمية معنية بالشأن اللبناني، وبالتالي فهو رسالة إيجابية من هذه الجهات التي بينها وبين الرياض اليوم أكثر من أزمة، وفي هذا المجال تشكل زيارة عون رسالة إيجابية من كلّ حلفائه المحلّيين والإقليميين الذين ساهموا في إيصاله الى الرئاسة الى دول الخليج، تشكل مع وساطات جارية من أكثر من طرف إقليمي (الجزائر) ودولي (روسيا والصين) مدخلاً الى مناخ جديد في العلاقات المتدهورة بين دول المنطقة، وتحديداً بين الرياض وطهران، وبين الرياض ودمشق.
وبهذا المعنى فإنّ التطورات المتسارِعة التي شهدها لبنان منذ انتخاب عون الى تكليف الرئيس سعد الحريري، الى تشكيل الحكومة ونيلها الثقة في فترة قياسية، ما كان ممكناً لها أن تتم لولا وجود مناخ تسوية كبرى يتجسّد في لبنان، بل وينطلق منه الى عموم المنطقة بأسرها.
يدرك المراقبون أنّ لبنان لا يمكن له أن يحلّ مكان أطراف اقليمية ودولية كبرى في إنجاح وساطة بين أطراف موغلة في النزاع الدموي بين بعضها البعض، ولكنه يستطيع بحكم وزنه المعنوي والثقافي وتنوّعه الاجتماعي أن يكون جسراً يسهّل مرور الوساطات فوقه من ضفة النزاع المُحتدم الى ضفة التفاهم المُنسجم.
وما يساعد لبنان في إنجاز هذا الدور، دور إيصال رسالة لا تحقيق وساطة، هو المتغيّرات المتلاحقة على مستوى الاقليم والمنطقة، فالجميع بات متعَباً من «حفلة» النزاع المتواصلة منذ 6 أعوام في المنطقة. وبالتالي الجميع مستعد لأن يمدّ يده الى الآخر مع حفظ ماء وجهه، وهو أمر يعرف اللبنانيون أكثر من غيرهم كيف يؤدّون دورهم في هذا المجال.
ولعلّ السيولة المدهشة في العلاقات الدولية والإقليمية وانتقال هذا الطرف من هذا الموقع الى الموقع الآخر، هو أمر يساهم في توفير ظروف تسوية تشمل كلّ ملفات المنطقة وتُحفظ فيها كرامة الجميع وحصصهم، بحيث بات ممكناً القول إنّ شعار «لا غالب ولا مغلوب» الذي رفعه يوماً الرئيس الراحل صائب سلام لم يعد محصوراً بلبنان وحده، بل صار شعاراً قابلاً للتطبيق على مستوى المنطقة بأسرها.
فهل تكون زيارات عون الخارجية الأولى خطوة في طريق تحقيق هذه التسويات الكبرى على مستوى المنطقة وملفاتها الساخنة؟ وهل يستطيع عون الذي أعطى الرياض والدوحة ورقة كبيرة حين اختارهما محطتين لأولى زياراته الى الخارج أن يكسب ثقة القيادتين السعودية والقطرية من أجل تحقيق «مهمة مستحيلة» كان تحقيقها يبدو أمراً في غاية الصعوبة؟
ما يرجّح كفّة التفاؤل في هذا المجال، هو أنّ كثيراً من التطورات التي حصلت في الأشهر القليلة الماضية كانت تبدو مستحيلة قبل عام أو عامين، وحتى لا نبالغ في التفاؤل فنُصاب بالخيبة، علينا أن ندرك أنّ زيارة عون تحمل موقفاً إيجابياً منه تجاه الرياض وقطر، ولكنها تحمل رسالة إيجابية ايضاً من حلفاء له ما زالوا يخوضون حروباً بين بعضهم البعض.