باريس تستكمل انعطافتها السورية: الجيش مرتاح للتعاون مع موسكو
لا «فيتو» فرنسياً على ترشيح فرنجيّة
استكملت فرنسا انعطافتها الديبلوماسيّة تجاه الملفّ السوري بعد هجمات باريس في 13 الجاري، فبات الخطاب الرسمي الفرنسي يقبل شراكة روسيا في الحرب ضدّ «داعش» وفروعها. أما لبنانيا، فيبدو أنّ الفرنسيين، بحسب ما تفيد أوساطهم، لا يزالون ينتظرون وفاقا ما سعوديا ـ إيرانيا يحسم الملفّ اللبناني نهائيا ويخرج الرئاسة الأولى من عنق الزجاجة، لكنّ باريس تدفع حاليا في اتجاه انتخاب رئيس بالتعاون مع الدوائر الفاتيكانية المختصة خوفا من زعزعة استقرار هذا البلد. وردا على سؤال «السفير» حول الرأي الفرنسي بإمكانية ترشيح رئيس تيار «المردة» النائب سليمان فرنجية قالت الأوساط: «فرنسا لا تقدّم رأيا بأشخاص، ما يهمّها هو إجراء العملية الانتخابية وملء الفراغ الرئاسي وإعادة تسيير عمل المؤسسات الدّستورية».
سورياً، كانت باريس قد بدأت انعطافتها ببطء، وتبدى ذلك أثناء مؤتمري فيينا حيث بات الرئيس السوري بشار الأسد مقبولا في المرحلة الانتقالية بعدما كان الرفض الفرنسي مطلقا لوجوده في أيّة معادلة للحلّ. وبعد هجمات باريس حسم الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند الأمر محدّدا العدو بوضوح لا لبس فيه: «داعش هو عدوّنا»، وكان السائد سابقا لدى الفرنسيين أنّ «داعش» وبشار الأسد هما على خطّ سواء، وبالتالي يجب التعاون ضدّ الطرفين على حدّ سواء. وقبل وقوع الهجمات الدامية في باريس بدأت أصوات مسؤولين فرنسيين وأوروبيين تنبّه الى أن التعاطي مع الجميع كأعداء، بمن فيهم الأسد و «داعش» وروسيا لا يؤدي الى السلام. ويقول سياسي فرنسي ضليع إنّ «هذا التناقض الذي كان موجودا في السابق بدأ بالزوال تدريجيّا»، ويضيف «كانت الإستراتيجيّات الأوروبية متوازية مع بعضها البعض، لا بل متناقضة في كثير من الأحيان لكنّها باتت أكثر منطقية اليوم».
وتشير أوساط فرنسية ديبلوماسية من جهتها الى التصريحات المتشددة التي يطلقها وزير الخارجية لوران فابيوس قائلة إن «لا دور لفابيوس حين ينطق الرئيس هولاند بكلمته، وهو كان جازما أمام البرلمان الفرنسي في قصر فرساي بعد يومين على الهجمات الإرهابية: العدوّ هو داعش». وتشير الأوساط الى أنّ «ما لم يقله هولاند هو أنّ (الرئيس السوري) بشار الأسد هو أيضا عدوّ وينبغي ألا يبقى في السّلطة، لكنّ حسابه يأتي في ما بعد». ولفت في كلام هولاند ما أشار إليه «من ضرورة قيام تحالف واحد ضدّ الإرهاب يجمع فرنسا وروسيا وإيران وتركيا، وهذا تغيير استراتيجي واضح في الموقف الفرنسي، وبما أنّ روسيا أدرجت في هذا المحور فإنها لم تعد تعتبر خصما لأوروبا»، بحسب الأوساط الفرنسية المطلعة.
وتنطلق التحليلات الفرنسية من أن تبديل فرنسا لرؤيتها حيال سوريا يسهّل الحلّ السوري الذي كان يعوقه عاملان: اعتبار دول أوروبا الشرقية أنّ روسيا هي عدوّ يجب القضاء عليه، وفرنسا التي تعتبر أنّ بشار الأسد هو عدوّ ويجب إزالته أيضا.
هل ستبدّل أوروبا نظرتها الى الرئيس الأسد فتتعاون معه، بالرغم من أصوات أوروبية عدّة تصفه بـ «الديكتاتور»؟ يقول الديبلوماسي الفرنسي: «لنتذكّر بأن السلام في صربيا أنجز مع سلوبودان ميلوسيفيتش، الذي لم يحاكم إلا بعد 10 أعوام، وحصل غضّ طرف أوروبي واضح عن تعاطي الرئيس المصري عبد الفتّاح السيسي مع ملفّ حقوق الإنسان في مصر لمصلحة استقرار هذا البلد». ويلفت النظر الى أن «مؤتمر فيينا وضع أجندة سياسية اتفق عليها الأطراف جميعهم، وقبل الفرنسيون ببشار الأسد في مرحلة انتقالية ولعب التناغم الروسي ـ الأميركي دورا حيال هذا الموضوع، وبعد هجمات باريس الدامية تحققت المصالحة مع روسيا وبات قبول مؤقت لوجود الأسد».
يشير الديبلوماسي الى أن «التعاون الفرنسي ـ الروسي تؤيده الأوساط العسكرية الفرنسية والأجهزة الاستخبارية التي ترتاح للتعاون مع موسكو بسبب تعاون تاريخي سابق معها في الحرب العالميّة الثانية، ولأنه ينظر إليها كحليف قوي».
يلاحظ الديبلوماسي الفرنسي أن ثمة «أزمة حقيقية تعيشها أوروبا اليوم من حيث هويتها، فقبلا كانت أوروبا محددة بأوروبا الاقتصادية وبالتكامل والحدود المفتوحة، لكنّ الأزمة اليونانية أدت الى انغلاق الأوروبيين على مشاكلهم الداخلية وتراجع اهتمامهم بكيفية تطوّر الأوضاع في العالم. ومن الأمثلة أن المرة الأخيرة التي تناول فيها المجلس الأوروبي الحرب السورية كانت إبّان اجتماع الرؤساء الأوروبيين عام 2012، وبعدها لم يتم التطرّق البتّة الى الحرب السورية وكأنّها غير موجودة. وفي الاجتماعات التي زادت عن 10 سنويا، تصدرت اليونان نقاشات الرؤساء الأوروبيين، ثم تصدرت الأزمة الأوكرانية والتوسّع الروسي في العامين الأخيرين. وتعيش أوروبا بلبلة اليوم حيال سوريا، لكن الأمر الإيجابي الوحيد في الهجمات ضدّ باريس يكمن في أن الاستراتيجية الأوروبية باتت تصبح أكثر منطقية»، كما تقول الأوساط الديبلوماسية الفرنسية.