IMLebanon

المسيحيّون «يستنفرون» : لا تنازل عن «الرئيس القويّ»

«المسيحيون هم المسؤولون عن تعطيل انتخاب الرئيس». هي معادلة يكرّرها سياسيّون كثيرون في الآونة الأخيرة، في سياق تقاذف كرة المسؤولية حول المماطلة الحاصلة في إنجاز استحقاق الانتخابات الرئاسية، رغم مرور أكثر من عام على موعدها الدستوري المفترض.

آخر هؤلاء كان رئيس «الحزب التقدّمي الاشتراكي» النائب وليد جنبلاط، وهو على الأرجح كان أولهم أيضًا، إذ إنّه تبنّى هذه «النغمة» منذ فترة طويلة، قد تعود لما قبل حصول الشغور أصلاً. لكنّه استفاض هذه المرّة في رمي الكرة في ملعب المسيحيين، فضرب بطريقه نظرية «الرئيس القوي»، باعتبار أنّها، في القاموس «الجنبلاطي»، هي التي خربت المسيحيين ولبنان، عندما خرج البعض بها وأدت الى حروب المحاور الاقليمية وحرب الجبل وحروب الإلغاء.

لم يتأخّر «البيك» في تشخيص «الداء» انطلاقاً من ذلك. هو يكمن باختصار بـ»حلم» يراود بعض القادة المسيحيين، أو بـ«وهم» كما يفضّل تسميته، بأنّ أحدهم سيصير رئيساً. أما «العلاج»، فهو بسيطٌ وسهلٌ جدًا في منطق «البيك»، وعنوانه «الكفّ عن المزايدة وإهدار الفرص التاريخية»، تمهيدًا لـ«قناعة» لا بدّ منها تفضي إلى انتخاب مرشحٍ توافقي من خارج دائرة الزعماء الأربعة المعروفين.

هي «معزوفة المرشح التوافقي» إذاً التي تقف وراء كلام جنبلاط ومن لفّ لفّه، سواء ممّن يجاهرون بذلك أو «يطبخون الطبخة» وراء الكواليس، تقول مصادر سياسية محسوبة على «التيار الوطني الحُرّ» من دون تردّد. برأيها، المسألة واضحة، فـ«البيك» الذي لطالما حارب القادة الموارنة بكلّ ما أوتي من قوة، والذي اعتاد أن يضع رئيس الجمهورية «الحيادي» و«الرمادي» في جيبه، ليس قادراً على «بلع» فكرة وصول رئيس قوي إلى قصر بعبدا، لأنّه يعرف أنّ ذلك لن يكون سوى الخطوة الأولى في مسار الألف ميل الذي سيؤدّي حتماً لإعادة النظر بسياسةٍ ضالة همّشت الرئاسة وعرّتها من كلّ صلاحياتها.

من هنا، تعتبر المصادر «العونية» أنّ «البيك» يبحث عملياً عن رئيس من طينة الرئيس السابق ميشال سليمان، الذي يكاد حجمه التمثيلي ووزنه الشعبي لا يتخطى الصفر بكلّ ما للكلمة من معنى، وهو الذي لا يزال يبحث، ومنذ تركه للقصر الجمهوري، عن دورٍ ما في مكانٍ ما، من دون أن يسعفه الحظ، وهو الذي عجز عن جمع من افترض أنّهم أقرب المقرّبين منه في لقاءٍ سياسي تأسيسي كان ينوي إطلاقه عملياً لا إعلامياً فقط. وترى المصادر أنّ أكثر ما أزعج «البيك» في كلّ هذه «المعمعة» هو الخطاب المسيحي شبه الموحّد الذي يتلاقى على اعتبار أنّ رئيسًا بلا لون ولا طعم تحت شعار «توافقي» مزوّر سيكون أسوأ من الفراغ، وهو لن يملأ الشغور بأيّ شكلٍ من الأشكال، وأنّ تجربة ميشال سليمان لا يمكن أن تتكرّر، لا بنسخةٍ «طبق الأصل» كما يريد جنبلاط، ولا حتى بنسخة «منقّحة» لن تغني أو تسمن من جوع.

وفي حين تؤكد مصادر «التيار» أنّ التنازل عن نظرية «الرئيس القوي» سيكون «سابع المستحيلات»، متسائلة لماذا يُحرَّم على المسيحيين ما هو محلَّلٌ لغيرهم، بدليل وصول «الشخص الأقوى في طائفته» إلى مراكز القرار سواء في الطائفة الشيعية أو السنية، فإنّها لا تجد حَرَجًا في تبنّي خطاب رئيس تيار «المردة» النائب سليمان فرنجية في هذا الخصوص، وهو الذي أكد أنّ انتخاب رئيس قوي من «14 آذار» على غرار رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع مثلاً، إذا مالت الدفة باتجاههم، أفضل من انتخاب رئيسٍ «تسووي» لا أحد يعرف كيف ومتى ينقلب على نفسه قبل غيره، وتجربة سليمان «المُرّة»، على حدّ وصف المصادر، ماثلة في الأذهان.

ولا تختلف الصورة كثيراً على ضفة مسيحيي قوى الرابع عشر من آذار، الذين تتحدّث مصادرهم عن «تحاملٍ واضح» في كلام جنبلاط وغيره من الأفرقاء، عندما يرمون الكرة الرئاسية بشكلٍ كامل في ملعب الأفرقاء المسيحيين، وكأنّهم يحاولون من خلال ذلك «تبرئة ذمّتهم»، وإيهام الرأي العام بأنّ «لا حول لهم ولا قوة» في هذا الموضوع، في وقتٍ بات الجميع يعلم أنّهم قبل غيرهم بانتظار «الضوء الأخضر» الخارجي لإتمام الاستحقاق، وأنّهم قبل غيرهم يربطونه بالمستجدّات الإقليمية المرتقبة على أكثر من خط، ولا سيما على صعيد الاتفاق النووي المنتظر توقيعه نهاية الشهر الحالي بين الولايات المتحدة الأميركية والغرب من جهة والجمهورية الإسلامية في إيران من جهةٍ ثانية.

أكثر من ذلك، تتوقف مصادر الجانبَين عند أمثلة تؤكد أنّ الأفرقاء غير المسيحيين لم ينأوا بأنفسهم نهائياً عن الاستحقاق كما يحاولون أن يوحوا، بحيث تلفت مصادر «14 آذار» إلى التصريح الأخير الصادر عن نائب الأمين العام لـ«حزب الله» الشيخ نعيم قاسم، والذي أطلق فيها جهاراً معادلة «إما عون رئيساً أو لا أحد»، متسائلة كيف يتغاضى عنه جنبلاط وغيره، وما إذا كان «حزب الله» مثلاً حزباً مسيحياً حتى لا يتمّ تحميله أيّ مسؤولية في هذا السياق. أما مصادر «التيار»، فتحيل المتابعين إلى المعلومات الموثوقة التي تمّ تسريبها مراراً وتكراراً عن «فيتوهات» بالجملة كانت تضعها أحزابٌ «آذارية» ودولٌ «إقليمية» على مرشحٍ محدّد، ما لا يدلّ أبدًا على أنّ الموضوع متروكٌ للمسيحيين ليحلّوه بإرادتهم، من دون أن تنسى الإشارة أيضًا إلى ما يطبخه «البيك» شخصياً في الكواليس، مع عددٍ من «حلفائه» المعروفين، لناحية التسويق لمرشحٍ محدّدٍ أيضًا لم يعد اسمه خافياً على أحد.

عمومًا، لا ترى المصادر أيضًا أيّ «صدفة» في توقيت «التصعيد» الجنبلاطي ضدّ المسيحيين بالتزامن مع اللقاء الاستثنائي الذي تمّ عقده بين العماد ميشال عون والدكتور سمير جعجع، وإعلان النيّات الذي صدر بموجبه، وهو اللقاء الذي، وللمفارقة، لم يأتِ «البيك» على ذكره من قريب أو من بعيد في سلسلة أحاديثه الصحافية «المكثّفة» في هذه المرحلة، الأمر الذي لا يمكن قراءته سوى في سياق «خشية جدية من اتفاق المسيحيين فيما بينهم على صيغة قد يكون البيك الخاسر الأكبر منها، وهو الذي ما اعتاد سوى على الربح».

في الختام، الأكيد أنّ المسيحيين يتحمّلون جزءاً أساسياً من المسؤولية عن عدم إنجاز الانتخابات الرئاسية، وإن كان من الظلم حصر هذه المسؤولية بهم دون غيرهم. وإذا كانوا مقتنعين بأنّ الاتهامات الموجّهة لهم «شكلية» في محاولة «تبرئة ذمّة»، فإنّ المطلوب منهم اليوم قبل الغد أن يتفقوا، وليحشروا الآخرين اذاك في الزاوية التي نصبوها لأنفسهم…