يلتقي الرئيس الاميركي دونالد ترامب نظيره الروسي فلاديمير بوتين غداً وذلك للمرة الأولى رسمياً منذ انتخابه رئيساً للولايات المتحدة الأميركية.
جدول أعمال هذه القمة سيكون متشعّباً وكبيراً والنتائج المنبثقة عنها ستعيد توجيهَ بوصلة الاحداث للمرحلة المقبلة، خصوصاً في الشرق الاوسط. وربما لذلك ترك مؤتمر أستانا البحث في جوانب أساسية لمناطق خفض التوتر الى مرحلة لاحقة، والمقصود به انتظار نتائج القمة الأميركية – الروسية.
فإعادة رسم مناطق النفوذ في سوريا تحتاج الى تفاهم أميركي – روسي، ولذلك ربما حرّك لبنان الآن ملف النازحين السوريين لكي لا يحصل الاتفاق ويُكرَّس وجود هؤلاء على أراضيه.
صحيح أنّ الملف السوري بتشعّباته كافة سيكون طبقاً أساسياً للّقاء المنتظر، إضافة الى التسوية الإسرائيلية – الفلسطينية التي يسعى اليها ترامب بكل قوة، لكن من الخطأ حصر القمة بهذا الاطار الضيّق. ذلك أنّ للدول الكبرى مصالح أوسع بكثير، وما يحصل عادة هو تبادل خدمات وعقد صفقات بالجملة.
قبيل انعقاد هذه القمة، أطلقت بيونغ يانغ صاروخاً باليستياً عابراً للقارات في اليوم الذي تحتفل فيه الولايات المتحدة الأميركية بعيدها الوطني وبعد أيام معدودة من القمة الأميركية – الكورية الجنوبية. وتلا ذلك تهديد أميركي شديد اللهجة لكوريا الشمالية بأنها ستدفع ثمناً باهظاً.
ولا شك في أنّ الصواريخ الكورية والتي تطاول الساحل الغربي الأميركي تشكل الاهتمام الأوّل لواشنطن في هذه المرحلة.
وحاول الرئيس الأميركي فور وصوله الى البيت الابيض تطويع موقف بيونغ يانغ بالتهديد والوعيد من دون أن يؤدّي ذلك الى أيّ نتيجة في ظلّ إحجام الصين عن مدّ يد المساعدة الفعلية.
لكنّ ترامب الذي يعاني داخلياً جراء علاقته الملتبسة ببوتين، سيسعى للمقايضة بين خفض العقوبات الدولية على روسيا ومساهمة موسكو في إيجاد حلٍّ للصواريخ وهي التي تتمتع بعلاقات جيدة مع كوريا الشمالية ومع الصين في آن معاً، خصوصاً أنّ الرئيس الصيني زار موسكو منذ ايام معدودة حيث جرى البحث في البرنامج النووي لكوريا الشمالية.
ولا بد لملف كوريا الشمالية من أن يؤثر في ملفات الشرق الاوسط، حيث أضحت روسيا اللاعب الاساسي انطلاقاً من دورها في سوريا.
خلال الاسابيع الماضية وغداة الاتفاق على موعد القمة الأميركية – الروسية كثّفت إسرائيل تواصلها مع ادارة ترامب. صحيح أنّ واشنطن تدفع بقوة لإنجاز التقدّم المطلوب في ملف التسوية الفلسطينية – الإسرائيلية، لكنّ لاسرائيل مطالب حيوية واساسية تعتبر أنّ تحقيقها يساعدها في سلوك درب التسوية، وهذه المطالب تتعلق بالميدان السوري وبإيران و»حزب الله» على حدّ سواء، وهو ما يفسّر ارتفاع منسوب التهديدات المتبادَلة بين واشنطن وطهران في المرحلة الاخيرة.
ووفق اوساط ديبلوماسية في العاصمة الاميركية، فإنّ اسرائيل تفاهمت مع البيت الابيض حول ثلاثة ملفات سيجرى طرحها مع الجانب الروسي:
ـ الأوّل، يتعلق بتأمين «الجوار الطيب» او الشريط الحدودي الملاصق للحدود الاسرائيلية – السورية في الجولان، ولذلك ربما ترك مؤتمر أستانا البند المتعلق بمنطقة خفض التوتر جنوب سوريا الى مرحلة لاحقة.
ـ الثاني، يتعلق بالهدف الايراني من ربط العراق بسوريا بالطريق السريع تحت اشراف الجيش السوري و»الحشد الشعبي» العراقي، حيث تتفق تل ابيب وواشنطن على منع تحقيق هذا الهدف وهو ما عبّر عنه وزير التعليم الاسرائيلي المتشدد نفتالي بينيت بقوله: «لن نسمح ابداً بإنجاز الممر البري بين ايران ولبنان».
ـ الثالث، وهو الاخطر، يتعلق باتهام اسرائيل «حزب الله» بالشروع في بناء مصانع لانتاج الاسلحة تحت الارض في لبنان تعويضاً عن عدم تحقيق الربط للطريق السريع وهو ما يضمن لـ»حزب الله» انتاجاً ذاتياً للصواريخ.
ووكان اللافت في هذا المجال تحذير وزير الدفاع الاسرائيلي افيغدور ليبرمان «حزب الله» وايران بسبب المنشآت الصاروخية، مضيفاً: «نحن نعلم بأمرمصانع الصواريخ ونعلم ما يجب فعله ولن نتجاهل اقامة مصانع صواريخ ايرانية في لبنان».
وبدورها نقلت صحيفة «يديعوت احرونوت» قلق السلطات الإسرائيلية من إقامة هذه المصانع، مؤكدة أنّ الحكومة الإسرائيلية تفكر في شنّ هجوم استباقي قد يكون على شكل غارات جوّية على هذه المصانع التي تعتبرها تهديداً لقدرتها على ردع «حزب الله».
وأهمية العامل الروسي هنا هو النفوذ الجوّي الواسع الذي تتمتع به قاعدة حميميم العسكرية، والتفاهم العسكري الجوي الذي حصل مع بدايات دخول روسيا العسكري الى سوريا مع القيادة العسكرية الاسرائيلية والذي ادى الى تقاسم الاجواء اللبنانية لمنع أيّ احتكاك جوّي بين الجانبين.
وقد تكون إسرائيل تفكر ايضاً بعمل امني غير الغارة الجوية. وبالتأكيد هذا العمل سيرفع من منسوب الحماوة والتصعيد لكن من دون أن يصل ذلك الى مستوى فتح ابواب الحرب. فالتصعيد شيء والحرب شيء آخر مختلف بكامله.
وأخيراً رست حاملة الطائرات الاميركية «جورج بوش» وهي الاكبر والاضخم في العالم قبالة الساحل الإسرائيلي، وعلى متنها نحو 80 طائرة حربية وقيل إنّ مهمتها الدفاع عن القوات الحليفة لواشنطن في سوريا، «وهي ستبقى يقظة حيال أيّ توتر مع حلفاء دمشق»، حسب قول جيمس ماكول أحد اكبر القادة العسكريين على متن حاملة الطائرات، والذي أضاف: «إنّ سفينة «جورج بوش» كانت وراء اسقاط مقاتلة سورية الشهر الماضي وأنها تراقب قوات التحالف وتعمل على ضمان سلامتهم».
والواضح أن كلام ماكول يصيب الحدود السورية – العراقية، واكراد سوريا، وكذلك الساحة اللبنانية. علماً أن وزير الاستخبارات الاسرائيلي قال لدى زيارته حاملة الطائرات الاميركية: «سنقوم بكل شيء ضروري لازالة تهديدات «حزب الله».
وفي اشارة اضافية الى ان التوتر في حال حدوثه لن يعني ابداً فتح ابواب الحرب، كان الرد الاسرائيلي الضعيف على سقوط قذيفة في الجولان المحتل لحظة وجود رئيس الحكومة الاسرائيلية هناك وتوجيهه تهديدات في حال استهداف المناطق الاسرائيلية.
وكذلك تعاقد شركة «توتال» الفرنسية مع السلطات الايرانية لتطوير نقل بحري في الخليج بقيمة خمسة مليارات دولار، وهو اكبر اتفاق اقتصادي تعقده إيران مع شركة نفط اجنبية منذ رفع غالبية العقوبات الاقتصادية التي كانت مفروضة عليها. وهذا مؤشر اضافي الى عدم وجود نيات حقيقية لفتح ابواب الحروب في المنطقة.
ويبقى ملف التسوية الإسرائيلية – الفلسطينية الذي يسعى ترامب لإنجازه وسط ظروف يعتبرها «ملائمة جداً»، وهو سيطلب دعماً روسياً لمساندته.
وفي المقابل، بدت حركة «حماس» في أدنى درجات ضعفها.
فمعدل البطالة في قطاع غزة والذي وصل الى 67 في المئة لدى الشريحة العمرية ما بين 20 الى 24 سنة مقارنةً مع 30 في المئة في الضفة الغربية، يضع «حماس» في موقع داخلي ضعيف في مقابل منح الرئيس محمود عباس أوراق قوة في غزة.
وربما لذلك بدت «حماس» أكثر مرونة مع إعلانها إنشاء «منطقة عازلة» على الحدود بين غزة وسيناء، بحيث لا يُسمح لأيّ شخص بالوجود على بعد نحو نصف كلم من الحدود ما يزيد من صعوبة اعمال حفر الأنفاق، ولكن لا بد من الاشارة ايضاً الى أنها ليست المرة الأولى التي تتراجع فيها «حماس» عن التزاماتها.