لا حرب في الايام المقبلة، لأن لا مصلحة لكل من الاطراف بها. فالمفاوضات الاميركية الايرانية ماضية على قدم وساق، وتتوقع اسرائيل توقيع اتفاق نووي بين الطرفين في آذار المقبل، واذا كانت مصلحتها تقضي بـ “الخربطة” فإن لا قدرة لها على ذلك وسط الغيوم الملبدة في المنطقة وتمدد الاعمال العسكرية الى الجولان، وعلى ابواب انتخابات داخلية عندها.
واذا كانت النيات داعمة للمسار التفاوضي، ولا خطة حقيقية لتخريبه، فإن بعض الاوراق قد يفيد المتفاوضين، وربما تكون العمليات العسكرية في مزارع شبعا امس احدى هذه الاوراق الضاغطة لتعجيل مسار التفاوض للوصول الى اتفاق الحد الادنى، الذي يفيد الرئيس الاميركي باراك اوباما في ظل استطلاعات للرأي تؤكد تفضيل الاميركيين للمرشحة هيلاري كلينتون للرئاسة في 2016، كما يحرر النظام في طهران من عقوبات اقتصادية خانقة ويفرج له عن اموال تزيد حاجتها، والحاجة الى تحريكها في ظل الصراع الاقليمي المحتدم.
أما اسرائيل فالعملية المحدودة تفيدها وتشد العصب اليهودي قبيل انتخابات الكنيست في آذار المقبل، في مواجهة “الخطر الاصولي” الذي يحوطها، اما الحرب الطويلة والمكلفة ماليا وبشريا، فتنقلب على الذين يتبنونها ويمضون بها، لان خسائرها ليست محسوبة، وربما تكون غير متوقعة مع تنامي قوة “حزب الله” وتزوده أسلحة متطورة، وربما اسلحة نوعية عمل النظام السوري على رفد الحزب بها بدل إتلافها او تدميرها.
في المقابل، تبقى حسابات “حزب الله”، وهي ليست لبنانية خالصة، اذ ثمة تداخل قوي ما بين مصالح الحزب، ومصالح النظام السوري ومصالح ايران وحرسها الثوري الذي يقود الاعمال العسكرية في غير منطقة ودولة. لكن الحزب الذي يريد ان يعيد عقارب الساعة الى الوراء عبر تثبيت مبدأ توازن الرعب الذي كرسته حرب تموز 2006، لا يريد هو الآخر ان يمضي في حرب مماثلة لانه، على رغم تعاظم قوته مبدئيا، يدرك جيدا ان ظروف حرب العام 2006 تبدلت كليا. فسوريا الداعم الاول، ليست على ما يرام، ولا قدرة لنظامها على توفير اي دعم له، بعدما بات يستجدي هذا الدعم، والخطر الاصولي مع “داعش” و”النصرة” صار محدقا ويمكن ان يفتح للحزب اكثر من جبهة حدودية خصوصا في مناطق بقاعية عدّة، وربما ايضا في مزارع شبعا، مع امكان تحرك مجموعات اصولية تكفيرية في المخيمات الفلسطينية، ما يشتت قوة الحزب و”يكشف ظهره”. أضف الى كل ذلك عدم استعداد الشعب اللبناني لاحتضان جمهور الحزب، كما كانت الحال في 2006، مع عبء مليون ونصف مليون لاجئ سوري، يضغطون على الاقتصاد وعلى المرافق الحيوية للبلاد، ومع رفض مطلق، يتنامى يوميا، لفرض الحزب اجندته على بلد بأكمله، فقرار الحرب والسلم يجب الا يعود له، لأن في ذلك ضرباً لمنطق الدولة وعدم اعتراف بالشركاء في الوطن.