هذه “الما حدا” ثقيلة الوقع على السمع وعلى الروح لمّا يردّدها اهل السياسة بغضب يثير القرف أمام موت وطن – دولة ولد عاجزاً منذ الاستقلال حتى يومنا. دولة عاجزة بكل مؤسساتها من رئاسات ثلاث فاشلة، ومن أصحاب القاب مضحكة، نواب ووزراء واهل عدل ملتبس احياناً كثيرة، وقد يكون في هذا العدل البطيء ما سمح لباقي المؤسسات بالتأجيل والتطويل والمواربة والتطويل، وبصمّ الآذان عن الحق مدى سبعين عاماً واكثر، فطار توازن الوطن. ومع العظماء الذين أتت بهم صفقات تجارية استهلاكية، بدأ تراكم “المزابل” وتجارها… وعرف القليل من الشعب انه في زمن آت سوف يرفع الستار عن لبنان منهك ما كان في يوم أكثر من مزبلة محكمة الغطاء.
ما حدا يزايد، يعلو صوت وزير ونائب ورئيس حزب أو تيار، نحن قبلكم اهل ثورة ورفض، ونحن من ناضل وحرر ومن طالب زعماؤه “الروحيون” بالعيش المشترك، ومن نادى زعماؤه بحب الوطن حتى آخر حبة تراب. وأحببناه حتى قطعنا انفاسه فأصيب بكل اشكال الافلاس المادي والاخلاقي. ودمّرناه معاً وشعارنا: ما حدا يزايد، وسرقنا حلمه وحلم صغاره الذين كانوا كلما كبروا يرحلون عنه غرباً وشرقاً هرباً من حكام هرطقة مذهبية ضربت كل الاوطان العربية وتربعت فوق أطلالها.
وأول مظاهر ضعفنا الذي تلا حرباً أهلية مذهبية طالت ودمّرت، مؤتمر طائف نفخ روحاً جديدة في دستور قديم ظل عاصياً على التطبيق، يوم اتكلت المملكة السعودية على جهل حكامنا وعلى انفتاحها على غرب لا هو يعرف ماذا يريد منها بالتحديد، باستثناء النفط والمال، ولا هي تدري ماذا تريد منه وعندها كل النفط وكل المال. ثم كانت “البعصة” القطرية التي عقدت مؤتمر دوحة حملت اليه الطائرات كل زعمائنا المذهبيين، العطشين الى ماء المال وخبزه وفساده. وعادوا ليخرجوا ما تبقى من اطلال وطن، وانسان يظل يعتصم بحبل التعصب المذهبي تاركاً عقله وقلبه لعملية تحنيط ابدية… ابدية؟
“ما حدا يزايد علينا” في الثورة ضد “المزبلة” الهائلة التي خبّأها الحكام تحت غلاف حضارة زائفة، مذهبية، انكشف امرها اليوم، وكلهم تجّار زبالة. وللزبالة عناوين كثيرة غير نفايات المنازل والمعامل وسائر المؤسسات. ولمّا نزل شبابنا اليوم الى الساحات، رافضين بقايا وطن ما كان لهم دور في اي زمن في هبوطه الى زوال، تجرّأ بعض اهل السياسة فيه الى ان يرفعوا اصواتهم قائلين: ما حدا يزايد علينا، نحن سبقناكم الى الثورة، فطلب منهم ثوارنا الشباب غير المذهبيين، الآتين من كل زوايا لبنان، طلبوا منهم ان يقفلوا افواههم، فما كاد يحق لهم ابداً ان يشاركوا الجنس البشري في نعمة النطق، ونعمة السعي الى معرفة الحق، فالمسيرة طويلة، وشرطها الوحيد: النظافة، وشبابنا الثائر اليوم، الآتي من كل لبنان، نظيف، لا طائفي، مثقف وحرّ يدقّ له قلب لبنان.