مَن يتابع وسائل الاعلام الإسرائيلية ومراكز الأبحاث في تل ابيب وتلك المؤيدة لها في العالم، يلاحظ بلا صعوبة حجم القلق الاسرائيلي من التطورات المتسارعة في الجبهة الجنوبية لسوريا، خصوصاً في الجولان السوري المحاذي للجولان المحتلّ.
مصادر القلق الاسرائيلية نابعة من جملة أسئلة لم تتمكن تل ابيب بعد من الاجابة عنها، بل من جملة ألغاز لم تستطع أن تفك أحجيتها.
القلق الاسرائيلي الاساسي ينبع من مخاوف ان تكون هذه المعارك الدائرة في الجنوب السوري بداية لتحريك جبهة الجولان التي نجحت الترتيبات الدولية في إبقائها هادئة لأربعين عاماً، فيما حالت الحسابات الداخلية السورية دون فتحها طوال الأزمة التي انفجرت قبل اربع سنوات.
ويعتقد الاسرائيليون انّ وراء هذا الهجوم السوري تشجيع معلن وغير معلن من حلفاء دمشق في محور المقاومة، ولا سيما منهم إيران وحزب الله، حيث تصاعد الحديث منذ عام ونيّف عن جبهة لمواجهة اسرائيل في الشمال تمتد من الجولان الى جنوب لبنان، فيما تنشأ جبهة في جنوبها على طول الشريط الممتد مع قطاع غزة. وما يزيد من مخاوف الاسرائيليين هو إمكانية انفلات الجبهة الاردنية الطويلة نفسها في ضوء تفاعلات حرق «داعش» للطيّار الاردني معاذ الكساسبة.
ويتخوّف المسؤولون الاسرائيليون من أن تنشأ جبهة شرقية ممتدة من جنوب لبنان الى قلب ايران مروراً بسوريا والعراق وحتى الاردن، وهي جبهة لطالما حلم بها المقاومون على مدى سنوات طويلة، ولكنّ أحلامهم كانت تتبخّر أمام عُقد مستعصية قائمة بين هذه الدولة او تلك من دول تلك الجبهة.
القلق الاسرائيلي الآخر نابع من مخاوف جدية من ان يكون وراء تصعيد محور المقاومة نوع من غضّ الطرف الاميركي حيث تشهد واشنطن ردود فعل غاضبة تتسِع يوماً بعد يوم على إهانة رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو للرئيس الأميركي باراك اوباما، خصوصاً انّ شعبية الأخير تتزايد بنحو متسارع فيما «شعبية» نتنياهو تتراجع بسرعة ملحوظة،
فمعظم أعضاء الكونغرس من الحزب الديموقراطي قد انحازوا في وضوح الى أوباما وأعلنوا مقاطعتهم جلسة الكونغرس في حال أصرّ الرئيس الجمهوري لمجلس النواب جون بينر على استقبال نتنياهو لإلقاء خطاب في هذا الكونغرس، لا بل انّ بعض الجمهوريين قد باتوا أقرب الى اوباما في هذه القضية، خصوصاً بعد ان انحازت أصوات يهودية متطرفة الى جانب اوباما في وجه عنجهية نتنياهو التي تؤذي اليهود الاميركيين، ناهيك عن تهديدها للركيزة الاساسية التي تقوم عليها اسرائيل، وهي علاقة التحالف الاستراتيجي مع الولايات المتحدة الاميركية.
ولقد وصل الأمر بالمعلّق الاميركي الشهير توماس فريدمان ان يكتب محذّراً نتنياهو من ارتكاب خطأ جسيم إذا أصرّ على زيارة واشنطن في آذار المقبل، لا بل وصلَ الأمر بأحد الكتّاب اليهود في صحيفة «هآرتس» الاسرائيلية أن يصف نتنياهو بأنه «السلاح السري لإيران لأنه بغبائه يقدّم خدمات جُلى لطهران، ويساهم في إنضاج الظروف لإبرام الاتفاق النووي بين الجمهورية الاسلامية والعواصم الغربية، وفي مقدمها واشنطن». فالاسرائيليون يخشون اذاً من ان لا يمانع البيت الابيض في توجيه صفعة لتل أبيب تخرجها من العنجهية التي أدخلها نتنياهو فيها.
وبالتأكيد، فإنّ للقلق الاسرائيلي مصدراً دائماً آخر، وهو تنامي قدرات حزب الله وخبراته خلال مشاركته في القتال في سوريا، حيث وَفّرت له هذه المشاركة القيام بمناورات بالذخيرة الحية وعلى أرض المعركة نفسها، ما يؤهّله في أي مواجهة مقبلة أن يخترق حدود الارض المحتلة في الجليل والجولان معاً. لا بل انّ ديبلوماسياً عربياً قال انّ تل ابيب تعيش عقدة «جيم ـ جيم»، أي الجنوب اللبناني والجولان السوري.
فيما علّق آخر ساخراً بأنّ علينا أن نُضيف الى الجيمَين جيمُ ثالثة هي الجنون الاسرائيلي. وبين هذه الجيمات الثلاث ترتسم ملامح مرحلة جديدة تشهدها المنطقة وتعيد رسم المعادلات فيها.