لافت جداً (وغريب) الدخول الإيراني المزدوج من قبل الرئيس الشيخ حسن روحاني ووزير الخارجية محمد جواد ظريف على الاشتباك الجديد الأميركي – الروسي في شأن الأسلحة النووية «التكتيكية»، أو الضعيفة القوة (مقارنة بالأسلحة الإفنائية الاستراتيجية الموجودة شرقاً وغرباً).
روحاني أخذ على خاطره لأنّ الأميركيين «يهدّدون الروس من دون خجل بسلاح نووي جديد». وظريف قبله، مهموم لأنّ السياسة الأميركية النووية «تجعل البشرية أقرب إلى الفناء».. والإثنان سبقا (أو رافقا) البيان الذي أصدرته الخارجية الروسية ووضعت فيه سلّة اتّهامات كبيرة لواشنطن غداة كشفها عن المفهوم الجديد للأسلحة النووية، الذي يمكن من خلاله استخدام جيل «مصغّر» منها.. و«فقط» رداً على إمكان استخدام تلك الأسلحة من قِبَل الروس في حروب تقليدية محتملة!
أي أنه سباق تسلّح آخر بين القوتين النوويّتَين الأكبر في العالم، سوى أنّه يختلف عن المألوف والمعتاد تبعاً لكسرهِ معادلة الردع النووي المتّبعة منذ ما بعد «هيروشيما» و«ناغازاكي» والتي منعت نشوب حرب عالمية ثالثة.. لأنّها ستكون الأخيرة!
المستجدّ المُرعب، هو نضوج «فكرة» إمكان حصول مثل تلك الحرب من دون إفناء شامل ومتبادل: قنابل «صغيرة» (سمّاها فلاديمير بوتين نووية تكتيكية) تُستخدم على نطاق ضيّق في مسرح المعارك لردع عدوّ أقوى، عدديّاً وتقنيّاً! وهو أي الزعيم الروسي أوّل مَن طرَحَ ذلك الاحتمال رداً على «استراتيجيّة الناتو التوسعية في شرق أوروبا»!.
لكن ما الذي يُدخل روحاني وظريف على هذه القصّة؟ ومَن الذي طلب رأيهما أصلاً؟ وما هو تأثير موقفهما على المعنيَّين المباشرَين، في واشنطن وموسكو؟ وما الذي يدفع بهما إلى مدّ رأسَيهما بين متلاكمَين كبيريَن وخطيرَين؟ وكيف أمكنهما التنطّح لاتخاذ موقف، امتنعت عن أخذه الصين (مثلاً) أو دول أوروبا الغربية؟ أم أنّ الرئيس ووزيره، شعرا بالملل وأرادا شيئاً يكسره؟ وليس عندهما أي هموم تستحق المتابعة، لا في الداخل الإيراني، ولا في الخارج الإقليمي!
كأنّه لعب هواة، سوى أنّ روحاني وظريف (والثاني تحديداً) وجَدَا في الموقف الراهن ما يمكن استخدامه لمحاججة الرئيس الأميركي دونالد ترامب واتّهامه باعتماد «سياسة متهوّرة» يُتوقّع أن تأخذه إلى خطوات إضافية للخروج (الأحادي!) من «الاتفاق النووي» الموقّع في العام 2015 بين إيران والدول الكبرى.. و«اكتشفا» سريعاً أنّ الميَلَان إلى وجهة نظر موسكو، وإبداء الخشية من «فناء البشرية» يمكّنهما من تدعيم موقف بلادهما المتمسّك بذلك الاتفاق.
هذا في ظاهر الأمور. لكن نظرة أخرى قد تفيد بأنّ طهران في الواقع تستفزّ ترامب (مجّاناً!) وتتدخّل في «قضية» أكبر منها! ولم يقاربها حتى «رجل الصواريخ» في كوريا الشمالية كيم جونغ أون! وهي في ذلك، تبدو (مجدّداً) وكأنها تبحث عن حجّة خلاص من الاتفاق الذي حرَمَها في ربع الساعة الأخير من امتلاك «القنبلة النووية» من دون تحمّل تبعات ذلك؟!
في بعض الظنّ خير.. وإذا صحّ ذلك يمكن الاستطراد: قد يبدو ترامب متهوّراً، لكن ألا يعرف الرئيس روحاني والوزير ظريف أنّ القضايا الاستراتيجية الكبرى، مثل السلاح النووي الإفنائي، لا تخضع لقراره وحده؟ ولا لمزاجه؟ بل لا تخضع لمنطوق تعاقب الرؤساء والإدارات على البيت الأبيض؟ وأن القدرة على ضغط «الزر» لا تعني القدرة الأحادية على أخذ القرار في ذلك؟
.. ثمّ بعد هذا، أو قبله لا فرق، ألا يعرف المسؤولان الإيرانيّان اللذان تولّيا مفاوضات «الاتفاق» مع الدول الخمس الكبرى زائد ألمانيا، أنّ مشروع إيران النووي، هو من أندر القضايا المُجمَع عليها دولياً، لجهة منعه من الوصول إلى مبتغاه؟ وإنّ روسيا والصين حريصتان أكثر من الولايات المتحدة والأوروبيين، على التأكّد من ذلك؟
.. أم أنّها عُقدة الكبار، مستحكمة في غير موضعها؟!