لا اعتقد ان لبنان قد شهد في تاريخه الحديث حالة صمود وثبات والتزام ونقاء تشبه خيمة اعتصام اهالي شهداء الجيش المختطفين. هذه المجموعة الصابرة والمفجوعة خلال ثلاث سنوات عرفت الكثير عن اهل السياسة والتجمعات والأحزاب ومنظمات دولية وعربية واقليمية. وخلال سنوات صمودهم الطويلة ايضا عرفت هذه المجموعة المجروحة العديد من الذين بلسموا جراحها، واخرين من الذين صبّوا الزيت على النار، والكثيرين ممن هدّأوا النفوس، ومن الذين حرّضوا وأثاروا النعرات. ورغم ذلك بقيت هذه العائلة الوطنية المجروحة على صبرها وصمتها.
البارحة لم تكن خاتمة الاحزان بالنسبة لأسر شهداء الجيش المختطفين. بل بالامس بدأت رحلة العذاب مع ذكريات الأمل بعودتهم احياء طيلة ثلاث سنوات. اما وقد عاد الابطال الشهداء مع أهلهم الى بلداتهم وقراهم بعد تكريم رئاسي يليق بشهادتهم ويوم حداد وطني عام، اما اليوم السبت ٩ ايلول يصح فيه القول ان «النار ما بتحرق الا مطرحها» والذي يده بالماء ليس كمن يده بالنار، وان لا شيء يمكن ان يعوضهم عن فلذات أكبادهم وسنواتهم الطويلة مع الانتظار في ساحة الاعتصام.
غادر أسر الشهداء ساحة الوجع والامل ومعهم جثامين أحبّتهم الشهداء، تاركين خلفهم الكثير من الوجع والقلق عندي شخصياً ولدى الكثيرين من أصدقاء نهاد المشنوق ومحبّيه من أهالي بيروت الكريمة والحبيبة، وذلك بسبب استهداف الوزير المشنوق غير العادل وغير المنطقي من قبل الأسر المفجوعة، وخصوصاً ان قضية الأبطال الشهداء ارتبطت بأسماء وأسماء من السادة المسؤولين الكبار والصغار. لكن استهداف نهاد المشنوق بالذات مع ما تبعه من استخدامات حاقدة ومغرضة، يجعلني بصفتي الشخصية ان أعرب عن خوفي وقلقي ورفضي لذلك الاستهداف.
بعد اغتيال الشهيد وسام الحسن، عبّرت عن قلقي عبر جريدة اللواء، تجاه الصديقين اشرف ريفي ونهاد المشنوق اللذين لم أقابل أياً منهما منذ مدة طويلة، والذي جمعني بهما الكثير من المودة والحوار والنقاش والتلاقي والاختلاف والاحترام مع شيء من الخبز والملح، ومع اصدق الأمنيات لكليهما بتحقيق الأحلام والطموحات وانا اتابع عن بعد أخبارهما وما بلغوه في دنيا السياسة والسلطة رغم اختلاف التوجهات. وأتذكر دائماً الشهيد وسام الحسن الذي اكتسب من معلّمه الشهيد علم تدوير الزوايا وبناء الجسور والتواضع والابتسام والانفتاح على الجميع بدون استثناء. وأتذكّر كيف كان وسام يتطلّع الى مستقبل كلّ من الصديقين اشرف ونهاد باهتمام وعناية كبيرين، وتبقى المجالس بالامانات.
ان من واجبي الوقوف الى جانب أسر الشهداء المفجوعة، ومن حقي ايضاً ان ارفض ما قيل بحق الوزير نهاد المشنوق على المستوى الشخصي للمودّة التي جمعتني به منذ حوالي أربعين عاماً. وارفض ايضا على المستوى العام لأن المسؤولية العامة لا تتجزأ، فكل السلطة اللبنانية عملت كلّ ما في وسعها بمكوّناتها وأجهزتها ،وان هذا الاستسهال بالاتهامات سيؤدي الى استخدام دماء الشهداء بتصفية الحسابات السياسية بين الافرقاء وسيقوض التماسك الوطني الهش ويدخلنا في متاهات جديدة، ان التحقيق الشفاف والمحايد اذا كان متاحاً ؟ وحده يحدّد المقصّرين والمتورّطين. ونتمنى ان تفتح التحقيقات بكلّ الارتكابات السابقة التي لاتزال تسبّب القلق والاحتقان.
وأقول لأسر الشهداء ان لبنان بأسره يشعر بآلامكم. وعبر جريدة اللواء الغراء وبكل شجاعة احترام الذات أقول للصديق نهاد المشنوق لست وحدك في هذا الاستهداف.