مبادرة الامين العام لحزب الله حسن نصرالله لا تزال حديث الساعة ومحور تحليلات وتفسيرات كثيرين خصوصاً في ظل الصمت المطبق الذي يلتزمه سعد الحريري الذي طرحت عليه رئاسة الحكومة مقابل تسهيل انتخاب ميشال عون وانهاء الفراغ في كرسي بعبدا، فاذا بالمبادرة تسقط بعيارات نارية اطلقتها قيادات في تيار المستقبل وفي طليعتهم الوزير نهاد المشنوق الذي فاجأ بانعطافته القاسية اوساط 8 آذار التي كانت تضعه بمصاف المعتدلين في الملف الرئاسي وغير الممانعين لوصول عون الى بعبدا، واذا بحزب الله بدوره يرتد على مهاجمي المبادرة ومنتقديها بشخص امينه العام الذي اطلق النار بدوره على السنيورة لدوره في حرب تموز وعلى من عرقل في «المستقبل» تحرك الجيش واوقف معركة عرسال فيما انطلقت الجوقة المدافعة عن المبادرة ايضاً لترتيب الوضع وفضح المعرقلين في الملف الرئاسي.
ولعل ابلغ تفسير لما يتردد في بعض الاوساط ان فريق 8 آذار يعتبر انه ادى قسطه واكثر مما يلزم في الموضوع الرئاسي، فأظهر السيد نصرالله ترحيباً غير مسبوق بالحريري في السراي، وهو بدون قبول بالحريري في رئاسة الحكومة يحظى برضى ايران وحلفاء الحزب في الداخل وهي خطوة غير اعتيادية من قبل حزب الله والحلفاء ربما ليس حباً بالحريري بالذات كما تقول اوساط في 8 آذار انما لان الوضع الرئاسي دخل دائرة المحظور وبات وضع كل من مرشحي هذا الفريق في خطر وبالتالي ثمة مخاوف امنية هائلة تتربص بلبنان ولولا انه ليس مستودعاً للنازحين السوريين لكان الوضع الامني ربما شهد مضاعفات خطيرة.
وترى الاوساط ان وضعية المرشحين الاثنين في 8 آذار بخطر ورغم ذلك فان سليمان فرنجية يرفض الانسحاب من المعركة او التنازل لعون طالما انه لا يزال مرشح الحريري وجزءاً اساسياً في الداخل اللبناني وطالما لم يحل التوافق بعد على طاولة الحوار، فيما يرى عون انها الفرصة الذهبية التي لا يريد ان يفوتها ويسعى الى اقتناصها لكونه الفريق الاكثر تمثيلاً على الساحة المسيحية.
الواضح ان لا حلول في الافق للملف الرئاسي، بدون شك فان الموضوع الرئاسي له امتداداته وابعاده الخارجية، وحسابات اخرى تتصل بالوضع الاقليمي والتسوية في الملفات الساخنة ومناطق الاشتباك في المنطقة. ومع ذلك يستمر القادة المسيحيون في مناكفة بعضهم مع إدراكهم ان الرئاسة لن تكون في اغلب الظن من نصيب الموارنة الأقوياء. وإذا كان «اعلان النوايا» بين الرابية ومعراب ساهم في تبريد الاجواء الرئاسية وتهدئة الخلاف وضبضبة الوضع داخل البيت المسيحي للقوات والتيار، فان ذلك لا يلغي ان لدى كل من جعجع وعون رؤيته المختلفة للاستحقاق، كل من زاويته الخاصة، فالجنرال لا يزال يراهن على تبدل في الظروف وفي المعطيات تسمح له بالوصول الى الكرسي الرئاسي ، وزعيم الرابية لم يتسلل اليأس الى نفسه ولا يزال يعمل على الخط الرئاسي خصوصاً ان عون يعول على تبدل لمصلحته ودعم حلفائه في الداخل له.
وفي هذا السياق تؤكد اوساط سياسية ان ثمة ما يحاك منذ فترة على خط المختارة وعين التينة، خصوصاً ان رئيس المجلس منزعج من الوضع القائم، وفي العادة اللبنانية والاستحقاقات الداخلية ثمة من يقول «فتش عن بري وجنبلاط» وعمن يرضى به الزعيمان ولو ان الاستحقاق مسيحي لكنه قبل اي شيء استحقاق داخلي ووطني يعني كل اللاعبين الأقوياء على الساحة. وترى الأوساط في هذا السياق ان لكل من الأسماء المارونية المتبقية في الأدراج لها فرصها الذهبية وحظوظها، ومن هنا قد تحتم العودة الى اسماء مارونية في الظل على غرار شخصيات مارونية تحبذ بكركي وصولها مثل الوزير السابق زياد بارود او حاكم مصرف لبنان رياض سلامه، في حين ان معادلة «الجانين» اي جان عبيد وجان قهوجي جاهزة دائماً وفي حال سير التمديد لقهوجي في حين ان حظوظ جان عبيد تطرح كمرشح ربع الساعة الاخير الذي يحظى برضى من عين التينة والمختارة وبتأييد مروحة واسعة من 8 و14 آذار.
في المحصلة فان خروج عون من الحلبة الرئاسية حتى الساعة شبه مستحيل وعقدة العقد، فالرجل يتسلح بدعم لا مثيل له من حزب الله وصل الى اسقاط ورقة سليمان فرنجية الحليف الاستراتيجي للضاحية. وان المتغيرات والتوازنات الاقليمية ستحدد وجهة المعركة الرئاسية، فالمخاطر المالية التي تهدد الوضع المالي للدولة تطرح في السوق الرئاسي دائما اسم حاكم مصرف لبنان ايضاً، ويبقى حسم كيفية سير السفينة الرئاسية رهن ما سيجري في المطابخ الإقليمية بالتناغم والتلاقي مع المصلحة الداخلية بعدما اتضح ان موافقة اللبنانيين وحدها لا تكفي.