أصوات كثيرة عَلت في الآونة الأخيرة لإزالة العقبات أمام تقدّم المرأة على الأصعدة السياسية والإنمائية والاجتماعية، ولضمان مشاركتها الفعلية في الشأن العام. تعديل القوانين المجحفة بحقّ النساء، والتي لطالما استخدمها المجتمع الذكوري سلاحاً لكبح دورهنّ، من الخطوات الأساسية على طريق تطوير ودعم مشاركتهنّ الفعّالة في بيئتهنّ.
وفي خطوة تساعد المرأة على حجز مكان لها في البلديات، قدّم النائب غسان مخيبر اقتراحَ قانون الى المجلس النيابي وهو اقتراح تعديلي لقانون البلديات، يعطي المرأة المتزوّجة حقّ الترشّح في بلدتها الأم. وفي حديث لـ«الجمهورية»، يدعو مخيبر «جميع الرجال، وبالأخص زملائي النواب لأن يكونوا في الصفوف الأمامية لإقرار هذا الاقتراح وتحويله إلى قانون».
العائلة والمعارف للفوز
أعدّت هذا الاقتراح الهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية بالتعاون مع مخيبر الذي تبنّاه، وذلك ضمن حملة الهيئة الهادفة إلى تشجيع النساء على خوض الانتخابات البلدية، وإلى تفعيل دور المرأة في الشأن الإنمائي.
وتوضح مستشارة تنمية المشاريع وتطويرها في الهيئة، ريتا الشمالي لـ«الجمهورية» أنّ «قيد المرأة عندما تتزوّج، يُنقل إلى مسقط رأس زوجها، فلا يحقّ لها بعد هذا الحين الترشّح أو الاقتراع في بلدتها الأم، علماً أنّ جميع معارفها من عائلة وجيران وأصدقاء في هذه البلدة، وأنّ الفوز في الانتخابات البلدية يتطلّب دعم العائلات».
وتضيف بعزم وتحدٍّ لهذا الواقع القسري: «لا يمكن أن تُجبَر المرأة على الترشّح في مكان قيد زوجها، وتترك وراءها مَن تربّت معهم في بلدتها وشاركتهم النشاطات الاجتماعية لسنوات طويلة قبل الزواج».
وتتابع: «إقرار هذا المشروع في مجلس النواب سيسمح للنساء اللواتي نقلن سجلّات قيد أحوالهنّ الشخصية من بلدة الى أخرى بعد الزواج، أن يترشحنّ لعضوية المجلس البلدي في بلدتهنّ الأم، أو في قرية الزوج وذلك بناءً على اختيارهنّ». كما يتيح للمرأة التي تبوّأت منصب عضوة في مجلس بلدي أو رئيسة، وتزوّجت بعدها ونقلت قيد نفوسها الى سجلّ زوجها، ألّا تسقط عضويّتها حكماً».
وتنقل الشمالي في هذا السياق حال سيدة لبنانية خسرت عضويّتها في المجلس البلدي فقط لأنها تزوّجت. وتشير إلى أن «هذه المرأة فازت في الانتخابات البلدية في مسقط رأسها عندما كانت عزباء، وبعد أن تزوّجت وتمّ نقل قيدها، فقدت أبرز شروط بقائها في هذا المجلس البلدي».
يُذكر أنّ المرأة اللبنانية لا تتمتّع بخيار نقل مكان قيدها أو الإبقاء عليه بعد الزواج. فعادات وتقاليد مجتمعنا الذكوري الذي يتوارث تبعيّة المرأة للرجل أبّاً عن جدّ، يحتّم عليها نقل مكان قيدها إلى خانة زوجها حتّى تتمكّن من تسجيل زواجها وبالتالي الأولاد.
وتجدر الإشارة إلى أنّ هذه الممارسة منافية للقوانين الدولية، خصوصاً أنّ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في المادتين 21 و25 منه ينصّ على أنّ للمرأة المتزوّجة حريّة اختيار مكان سجلّ قيدها بعد الزواج. ويلفت مخيبر إلى أنّ «هذا الاقتراح يأتي في إطار رفع سائر أشكال التمييز ضدّ المرأة، ويصبّ في خانة تنزيه التشريع اللبناني من الشوائب التي تعتري ضمان مبدأ المساواة بينها وبين الرجل».
الآلية
ومن جهة ثانية، تشرح مستشارة تنمية المشاريع في الهيئة الوطنية لشؤون المرأة كيف ستتمكّن المتزوّجات من الترشّح في البلدات حيث كنّ مسجّلات قبل الزواج، وتؤكّد أنّ «اسم المرأة يبقى على سِجلّ بلدتها الأصلية، ولا يُمحى بعد زواجها، إنما يتمّ شطبه للتأكيد على أنها نقلت مكان قيدها، وكذلك تُشطب عن إخراج القيد العائلي. ووجود الإسم المشطوب مهمّ إذ يمكن الاستفادة منه لتمكين المرأة من إعادة إنزال اسمها على لوائح القَيد في قريتها».
العوائق
يبدو أنّ التحدّي الأبرز أمام إقرار هذا القانون قبل الانتخابات البلدية المزمع عقدها في أيار المقبل هو التمكّن من مناقشته في مجلس النواب. ففي حين يأمل النائب مخيبر بأن يُقرّ اقتراح القانون من قبل المجلس النيابي، يُعتبر المجلس اليوم بحسب الدستور هيئة ناخبة لا هيئة اشتراعية ولا يُمكنه القيام بأيّ عملٍ تشريعي قبل انتخاب رئيس للجمهورية.
وحتى في ظلّ «اجتهادات» السياسيين الدستورية حول تشريع الضرورة، وما هي اقتراحات أو مشاريع القوانين الضرورية، هل يمكن أن يُعتبر اقتراح قانون…. ضرورياً بالنسبة للكتل النيابية؟
يشير مخيبر في هذا السياق إلى أنّ «التقدُّم باقتراح القانون تمّ بصيغة المعجّل المكرّر حتّى يسمح بطرحه في أول جلسة مقبلة للمجلس»، آملاً أن «تكون قبل انعقاد الانتخابات البلدية».
وفي حين وقفت «العقلية البطريركية» وراءَ حرمان المرأة العديد من حقوقها، وخصوصاً في حال تعارضت هذه الحقوق مع قوانين الأحوال الشخصية للطوائف أو مصالح بعض النافذين سياسياً، إلّا أنّ مخيبر يرى أن التحدّي الأساس حاليّاً هو مناقشة هذا المشروع في المجلس، ما سيكشف مواقف الأفرقاء تجاهه بين مؤيّد ورافض.
ومن جهتها، تتفاءل الشمالي بإمكانية إقراره قبل موعد الانتخابات البلدية وعدم معارضته من قبل النواب، «لأنّ المجلس النيابي يهدف إلى تحسين صورته، ليس فقط أمام النساء في لبنان إنما أيضاً أمام الجهات الخارجية التي تدعو الأطراف اللبنانية إلى إزاحة كلّ أنواع التمييز ضدّ المرأة».
ويقابل تفاؤل الشمالي إصرار مخيبر على رؤية الحسنات حتّى في أسوأ الظروف، ويشير إلى أنّ «التأخّر في إقرار هذا القانون إذا حدث سيحرم المرأة موّقتاً من الترشّح في بلدتها قبل الزواج، ولكن متى أقرّ سيفيد النساء اللواتي نجحن في المجالس البلدية وتزوّجن بعدها، إذ سيسمح لهنّ بالمحافظة على مقاعدهنّ البلدية».
جاهزة للترشّح ولكن…
علماً أنّ إقرار الكوتا النسائية التي تطالب بها الهيئات والجمعيات النسائية إلى جانب العديد من نشطاء المجتمع المدني لازالت حبراً على الورق حتّى الساعة، إلّا أنّ الحملة الإعلانية التي أطلقتها الهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية، التابعة لرئاسة مجلس الوزراء، تحت عنوان «بلديتك قرارك»، والتي شارك فيها وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق تلقّى الصدى المطلوب.
فيكفي إلقاء نظرة على الأسماء المتداولة على أنها مرشحّة للانتخابات المقبلة، حتى يتبيّن بوضوح أنّ عدداً منها يعود لنساء فيما كانت أسماء الرجال وحدها المسيطرة في غالبية القرى والبلدات والمدن. ولكن لضمان تمكّن المرأة من إثبات نفسها بلدياً، تسعى الهيئة اليوم إلى إزالة عقبة أساسية من طريقها، على أمل أن يقرّ هذا القانون قبل أن يحين موعد الانتخابات، فيشكل خطوة جديدة في سبيل تمكين المرأة وضمان تقدّمها إلى مرتبة الشريكة الفعلية في الوطن.