Site icon IMLebanon

ترشيحان مُثيران للشكوك

يغيب الاستحقاق الرئاسي عن طاولة الحوار الوطني، ولكنّه لا يغيب عن كواليس المتحاورين، ولكنّ الكولسات لا تعدو كونها تبادُل وجهات النظر أو معلومات حول مآلات المبادرات الرئاسية المطروحة، ولكنّ أحداً لا يستطيع تأكيد طبيعة أيّ مآل.

شيء واحد يتقاطع عليه المكولسون وهو أنّ أوان إنجاز الاستحقاق لم يحِن بعد، وأنّه ما زال بعيدَ المنال، لأنّ الرهان على التوافقات الاقليمية والدولية سيَطول، لأنّ الحروب التي يشهدها الإقليم على جبهات عدة تشتدّ وتعنف ولا تتراجع، فيما المواقف السياسية للقوى المتحاربة والدول والجهات الواقفة خلفها تشتدّ هي الاخرى وتعنف، بما يشير الى أنّ أوانَ الحسم أو التفاوض الجدّي لم يحِن بعد أيضاً، لأنّ حسابات هذا الفريق أو ذاك في الميادين ما تزال غير منطبقة على الحسابات التي يريدونها في البيادر.

ترشيح الرئيس سعد الحريري غير المعلن رسمياً حتى الآن لرئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية، كان ولا يزال يثير شكوكاً حول جدّيته، فالبعض يقول إنّ هذا الترشيح هو حتى الآن مثابة حجر رمي في بركة من الماء وما زال الذين رموه ينتظرون ما ستؤدي إليه الارتدادات السياسية التي أحدثَها، وما ظهر منها حتى الآن أقلّ بكثير ممّا لم يظهر بعد، أو ممّا لا زال مخفياً لدى المعنيين لغايات يضمرونها.

ويقول أحد السياسيين إنّ الحريري ومؤيّدي مبادرته والمشجّعين لها، كانوا ينتظرون منذ اللحظة الاولى لإطلاقها ان تحدِث انقلاباً في صفوف فريق 8 آذار بحيث ينتقل فوراً من دعم ترشيح رئيس تكتّل التغيير والإصلاح النائب ميشال عون الى دعم ترشيح فرنجية «المغري» والذي ما كان هذا الفريق يتوقّعه نسبةً الى «صقورية» الرجل وعلاقاته التحالفية والاستراتيجية مع قادة محور «المقاومة والممانعة».

لكنّ هذا الانقلاب لم يحصل أو بالأحرى لم يحدث الخطة «باء» متجاوزاً الخطة «ألف» التي تخصّ عون، بل إنّ ما أحدثَه كان إرباكاً في صفوف فريق 8 آذار، يَرقى أحياناً الى «شيء من الطلاق» بين الرابية وبنشعي.

وبين هؤلاء السياسيين مَن قال إنّ ترشيح الحريري لفرنجية جعل البعض يتحرّر من «التزام بالإكراه» إزاء ترشيح عون غير المقنِع له، كونه يرى انّ حظوظ الرجل في الفوز ضئيلة نسبةً الى المواقف الداخلية والاقليمية والدولية المعارضة له.

ما قاله فرنجية لدى خروجه من الحوار عن الخطة «ألف» والخطة «ب» عكسَ أجواء آخِر لقاء عقَده مع عون في الرابية بعد عودته من لقاء «باريس ـ 1» مع الحريري، وأكّد أنّه ماضٍ في ترشيحه ولن يخرج من السباق الرئاسي قريباً، وكذلك لن يُخرجه داعموه منه ايضاً، ما يَعني انّ الساحة الرئاسية، ستبقى محكومة بثنائية الترشيح لفترة لن تكون قصيرة.

ويقول البعض إنّ وجود مرشّحَين من فريق 8 آذار، يَعني أنّه لم يعُد هناك 8 آذار المتماسكة في الميدان السياسي، وهذا الواقع سيبقى مرهوناً بتطوّرات ووقائع لاحقة.

ويضيف هؤلاء أنّ أمام فرنجية مشكلتين: الاولى أنّ الحريري لم يرشّحه رسمياً بعد، ولكنّه قد يَعمد الى إعلان هذا الترشيح في فترة ليست ببعيدة. والثانية هي انّ انتخابات رئاسة الجمهورية ليست قريبة، ما يَطرح السؤال عمّا إذا عاملُ الوقت سيكون لمصلحة فرنجية أم لا. فالرجل يبدو أنّه حاسم في خياراته لجهة البقاء في قلب المشهد الرئاسي ويَعتبر أنّ فرصته افضل من فرصة عون.

لكنّ كثيراً من السياسيين يرون انّه لا يمكن انعقاد جلسة انتخابات رئاسية يتنافس فيها فرنجية وعون ديموقراطياً، لأنّ اللحظة السياسية لا تتقبّل مثلَ هذا التنافس، علماً أنّه في حقبات سابقة كانت اللحظة السياسية أفضل ولم ينتخَب فيها الرئيس إلّا بتوافق بين الأفرقاء السياسيين يسبق جلسة الانتخاب.

وإلى ذلك، فإنّ ترشيح رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع لعون كان هو الآخر ولا يزال يثير لدى البعض شكوكاً حول جدّيته أيضاً.

فهذا الترشيح هو بمثابة حجر رمي في بركة من الماء، والارتدادات السياسية التي أحدثَها في صفوف فريقَي 8 و14 آذار وما بينهما في الداخل وفي الخارج لم تنتهِ فصولاً بعد، وسيَمضي وقت إلى ان تتبلوَر على حقيقتها.

لكنّ الفارق بين هذا الترشيح «القواتي» لعون والترشيح «المستقبلي» لفرنجية هو أنّه لم يَظهر وجود أيّ طرف إقليمي أو دولي يؤيّده، بل إنّ ما ظهَر حتى الآن وبصورة غير رسمية ما قاله البعض عن أنّ الرياض لا تؤيّد ما ذهب إليه جعجع، لكن ايّ موقف رسمي سعودي لم يصدر حول هذا الامر. في حين انّ الترشيح الثاني أُعلِن أنّه يحظى بتأييد اميركي ـ فرنسي ـ فاتيكاني ـ سعودي، وتوَّجَه اتّصال الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند بفرنجية.

ويقول البعض إنّ الترشيح «القواتي» يُراد منه أيضاً إحداثُ «انقلاب سياسي» داخل 8 آذار يلاقي الانقلابَ الذي أُريد من ترشيح الحريري لفرنجية، من خلال زيادة حدّة التنافس بين عون وفرنجية المنتميَين الى فريق واحد، ولكن ما بدا حتى الآن أنّ هذا الفريق تلقّى الترشيح كتلقّيهِ ترشيح فرنجية، ولم يُصدر إزاءَه أيّ موقف بعد.

وفي النتيجة إنّ عجَلة الاستحقاق الرئاسي ما تزال متعثّرةً، لأنّ «كلمة السر» التي تحدّثَ عنها رئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط لم تأتِ بعد. ولا يبدو أنّها آتية قريباً. لكنّ ساعة الاستحقاق آتية لا ريب فيها، في يوم ما يأمل اللبنانيون أن يكون قريباً….