المصارف وضعت سقفاً للسحوبات من البطاقات الإئتمانية بشقيها الدائن والمدين
الفَوْرة التي شهدها سوق بطاقات الإعتماد أو Credit Card قبل سنوات، بدأت منذ فترة قصيرة بالتراجع، وتكاد تنتهي في ظل الأزمة النقدية التي يمرّ بها لبنان. فالبطاقات التي وفّرت لآلاف الموظفين وأصحاب المهن الحرّة فرصة تمويل إضافية، على دخولهم الشهرية، تحوّلت الى زيادة عدد في حقائبهم الشخصية، فلا المواطنون ولا المصارف لهم مصلحة باستخدامها.
شكّلت بطاقات الإعتماد في فترة تدفّق الودائع الى لبنان منفعة متبادلة للمواطنين والمصارف، فالأخيرة استفادت من توظيف فوائض الأموال بفائدة تصل الى 22 في المئة، وباقتطاع نسبة تتراوح بين 2 و4 في المئة من حصة البائع، أما حمَلة البطاقات فقد مكّنتهم هذه “الخدمة” من الحصول على تسهيلات مالية تبدأ بمرة ونصف حجم الراتب الشهري وتصل حتى 50 الف دولار لبطاقات “بلاتينيوم” و”انفينيتي”، مع إمكانية تقسيط المبالغ المستدانة ابتداءً من 30 دولاراً أميركياً، وبفوائد اعتقدوا انها بسيطة.
للضرورة فقط
معادلة “win win solution” التي استفاد منها كلا الطرفين لفترة طويلة تحوّلت الى تعارض لا أحد يستفيد منه، فالمصارف تخشى من أن يتحول استعمال الزبائن لهذه البطاقات في الخارج والداخل الى أداة لسحب العملة الصعبة من لبنان بطريقة شرعية، والزبائن بدورهم لم تعد لديهم مصلحة بالشراء من هذه البطاقات، المصدرة بنسبة 95 في المئة بالدولار الاميركي، على سعر دولار يحتسبه المصرف 1515 فيما وصل سعره بالخارج الى 1800 أو أكثر.
“بعد أن أصبح استعمال بطاقات الإعتماد شبه مستحيل على آلات السحب الخاصة بالمصارف ATM لعدم تغذيتها بالدولار، نلاحظ تراجعاً كبيراً في استعمالها على POS في نقاط البيع”، يقول نقيب موظفي المصارف أسد خوري، والسبب يعود برأيه الى “اختلاف سعر الدولار بشكل كبير بين المصارف والسوق الثانوية. وأغلب المواطنين توقفوا عن استعمال بطاقات الإعتماد وتركوها للحاجات الضرورية فقط”.
جميع المصارف وضعت سقفاً للسحوبات من البطاقات الإئتمانية بشقيها الدائن والمدين أي Credit Card و Debit Card في عمليات الشراء من المتاجر والأسواق. وهذا الأمر لا يعود بحسب خوري الى عدم توفر النقد الأجنبي أو الحد من تداوله إنما أيضاً “لخشية المصارف من عدم قدرة الزبائن على تسديد ما يتوجب عليهم من مستحقات، خصوصاً في ظل ازدياد إقفال المؤسسات وصرف العمال والموظفين وتراجع القدرات الشرائية عند مختلف فئات المجتمع”.
التداول الرقمي
في الوقت الذي يعتبر فيه البعض ان مصلحة الإقتصاد والنظام النقدي هو بالتشجيع على استعمال البطاقات المصرفية بدلاً من البنكنوت، يرى المستشار المصرفي غسان شمَّاس أن “هذا المنطق كان سائداً قبل الأزمة، أما اليوم فان الوضع اختلف وكل الإجراءات المصرفية تتعلق بمحاولة المصارف تخفيف الطلب على العملة الصعبة، سواء بطاقات أو عملة نقدية. ولو كان الهدف تشجيع التداول الرقمي لكانت المصارف سهّلت أو فتحت سقوف البطاقات المدينة أي Debit Cards، وهذا ما لا يحصل فعلياً”.
فكل ما يفعله التداول الرقمي للنقود هو تخفيف حجم الكتلة النقدية، وليس تقليل كمية التداول وهذا يعود الى عامل نفسي حيث يعتبر الدفع الإلكتروني الذي يقوم على مبدأ “أشتري الآن، وأدفع لاحقاً”، مشجعاً على الصرف أكثر بكثير من الدفع النقدي، وبالتالي رفع كمية الإستهلاك، وهذا ما لا يصب في مصلحة المصارف في الوقت الحالي.الحد من خروج النقد
الطريقة التي تتصرف بها المصارف، تظهر وكأن الربح من توظيف الأموال، وتحديداً في بطاقات الإعتماد أصبح في آخر سلّم أولوياتها، فيما المهم هو الحد قدر المستطاع من خروج العملة الأجنبية، “خاصة ان بامكان حملة البطاقات سحب مبالغ هائلة من خارج لبنان والطلب من المصارف تسديدها من حساباتهم، وهو ما يمثل طريقة غير مباشرة في إخراج الأموال من لبنان”، يقول شماس.
الواضح اليوم ان المصارف تحجم عن فتح محافظها الائتمانية، وتحاول قدر المستطاع تقييد السحوبات، لا لعدم توفر السيولة بالعملة الأجنبية فحسب، إنما لارتفاع نسبة الديون المتعثرة وخشية البنوك من الأسوأ نتيجة تفاقم الوضع الإقتصادي.
المطلوب إقتصاد حقيقي
من الواضح ان القطاع البنكي يمر اليوم بأحرج أيامه، فالتحويلات الداخلية والخارجية دفعت نحو اختفاء الإستثمارات الاجنبية المباشرة وتراجع التحويلات من الخارج، وتبخّر الودائع الصديقة الداعمة للإقتصاد، وهذا كله يتطلب اليوم “تغيير النظام، والدخول جدياً في مرحلة تخفيض الفوائد، التي من شأنها ابعاد النمط الإقتصادي عن الريع، والمساعدة في خلق قيم إقتصادية حقيقية تشجع على الإستثمار وخلق فرص العمل” يختم شماس.