IMLebanon

اللاحدث مرحلة مزمنة لبنانياً وسورياً

لا حدث. لا في لبنان ولا في سوريا ولا في جنيف. وبشكل أو بآخر، وحتى إشعار آخر، في هذه المنطقة من العالم، لا حدث. الطريف عندها تناول محليات واقليميات ودوليات السياسة، في وقت يغيب الحدث.

في العشرية الأخيرة كانت الأحداث في لبنان هي إما «الحوادث» في دلالاتها الأمنية، كالاغتيالات والاشتباكات والغزوات المسلّحة، وإما «الإستحقاقات» كالإنتخابات النيابية أو الرئاسية، وكإستقالة حكومة وتشكيل حكومة أخرى. مع تراجع الحوادث، واحتباس الاستحقاقات، دخلنا في اللاحدث. مع استفحال التوازن الكارثي، التدميري للمجتمع والكيان في سوريا، وبعد الموسم «الحدثي» الذي شكلته «داعش» في سوريا والعراق، ثم «حدثية» الحروب عليها، سرعان ما ابتلعت «المشهدية» الحدث، ثم ابتلعت الرتابة المشهدية ودخلنا في اللاحدث.

المفارقة في فترة متّسمة بهذا النوع من الجمود، هو الإحتدام أكثر من اللازم في التحيّز والتحزّب لأمور وطروحات لا يكفل أي منها الخروج من رتابة اللاحدث الى صناعة الحدث، وخصوصاً ذلك المتصل بانتخابات الرئاسة.

اللبنانيون يلعبون، كلهم، لعبة غريبة الأطوار. يتشنّجون رئاسياً ضد بعضهم البعض، وهم يدركون أنّ كل الأخذ والرد الحالي لا يمكنه أن يصل لسد الشغور، وإنما لعيش الشغور الرئاسي بشكل صاخب. 

اللاحدث اللبناني معطوف على اللاحدث السوري والاقليمي. السوريون يدركون هم أيضاً أن كل أدبيات المفاوضات بلا طائل. ليس لأن المفاوضات غير لازمة. بالعكس. الحرب الأهلية دامية وإيقافها هو هدف مركزي بحد ذاته، يخسر من يقلل من محورية ذلك. لكن في نفس الوقت، نظام آل الأسد يمكنه أن يستمر على ما ظهر بشكل مزمن في ظل الاحتراب الأهلي لكنه لا يمكنه ان يستمر لحظة واحدة في حال توقفت الحرب كما لا يمكنه ان يحسم هذه الحرب لصالحه، وكل هذا الوضع يرسي اذاً على اللاحدث. مشكلة قوى المعارضة والثورة انها لم تستطع تشكيل «منظمة التحرير السورية»، لكنها مشكلة لا يمكن ان تجعل النظام مهما فعل، ومهما عاد وتطبّع معه «العالم»، بمقدوره ان يعيد إحياء نفسه كما كان قبل اندلاع الثورة. 

يمكن في وضع لبناني واقليمي كهذا ان يختلف المرء في الأولويات، الخيارات، الأفضليات، لكنها مضيعة للوقت، والطاقات، والذكريات النضالية الجميلة، أن يراهن على خيار رئاسي يتخطى به «اللاحدث» في مواجهة خيار رئاسي آخر يريد الشيء نفسه. 

وقد يستفز الكلام الأخير للسيد حسن نصر الله الداعي إلى التمهل في معالجة الشأن الرئاسي كل الرافضين للشغور اللادستوري، لكن هذا الكلام يوصف واقع مراوحة داخلياً وإقليمياً. هل لأن العالم ينتظر موسم انتخابات الرئاسة الأميركية؟ لا شك. ومسار العلاقات بين واشنطن وعدد من العواصم أولها طهران، وليس وحدها. من الآن لوقتها، حرفياً، يبدو أن البلد مستمر في فترة «اللاحدث». 

المستحسن في هذه الفترة تنظيم أسلوب تناول الشؤون السياسية. أولاً بتجنّب افتعال الأخلاقوية المخادعة طول الوقت، ووعي أنه من الطبيعي أن تكون هناك مصالح مختلفة للقوى ذات الحيثيات المختلفة، وأنه ليس هناك من هو أعرف بمصلحة غيره. بالكاد الواحد ينجح في حمل لواء مصالحه وطموحاته هو، فكيف بمستطاعه تنوير سواه؟ وثانياً بفهم ان إنتاج أحداث سياسية لا يكون هو الآخر باجترار أحداث سابقة أو بالفرز طبقاً لدرجة الأمانة لأحداث سابقة، وإنما بالاعتراف بشكل واضح بأن منسوب الاستقلالية في هذا البلد لا يسرّ كثيراً، ولو تفاوتت مستويات ودرجات ذلك. مشكلة الشغور الرئاسي هي أساساً مشكلة بلد مفاتيح الحل الداخلي فيه خارجه لكنها صارت ضائعة أو منسية وصدئة.